آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

من عبق الماضي: الجن والعفاريت ”بين الموروث والأسطورة“

حسن محمد آل ناصر *

منذ القدم، شكل الحديث عن الجن والعفاريت مساحة واسعة من الخيال الشعبي والأسطورة، كما استحوذ على اهتمام العقل الجمعي العربي، حيث اختلطت فيه الرواية بالخرافة، والحقيقة بالوهم، والخوف بالفضول، إنه عالمٌ خفيّ غامض، نعرف عنه القليل، ونجهل عنه الكثير، ومع ذلك يبقى محط أنظار الناس عبر العصور، سواء من باب الإيمان الديني أو من خلال الحكايات الشعبية التي نسجها الخيال.

الجن كما ورد في النصوص السماوية مخلوقات غيبية خلقها الله من نار، تعيش بيننا، ولكننا لا نراها، ولها شأن في حياتنا لا يمكن تجاهله، وقد تحدث القرآن الكريم عنهم صراحة، موضحا صفاتهم وقدراتهم، ومن أبرز ما جاء قوله تعالى: «وخلق الجان من مارج من نار».

كما أكد أنهم أُمم مثلنا، منهم المؤمنون ومنهم الكافرون، ومنهم الطيبون ومنهم المؤذون، لكن إلى جانب الخطاب الديني، يتسرب إلى وعينا طيف واسع من القصص والمرويات التي تمثل هذا العالم برؤية شعبية ممتدة، تارة على هيئة تهديد للطفل المشاغب، وتارة كعقاب للأشرار، وأخرى كقوة غامضة تساعد من يلجأ إليها.

ماهي الحقيقة والخرافة

لعل أكثر ما يثير الجدل في موضوع الجن هو الحديث عن ”المس“ أي دخول الجني جسد الإنسان وما يترتب عليه من اضطرابات وسلوكيات غريبة تقود البعض إلى الرقاة والمعالجين سواء كانوا من أهل العلم أو من المتاجرين بمآسي الناس، وهنا تتقاطع الطرق بين الطب النفسي والعلاج الروحي والدجل، ليبقى الإنسان في حيرة بين العلم والإيمان والخرافة.

تراثنا الخليجي غني بالأسماء الأسطورية

لدى العرب مخزون زاخر بأسماء وأنواع الجن، يصنفونهم بحسب صفاتهم أو أفعالهم أو أماكن تواجدهم، فمن الجني وهو الاسم العام إلى الشيطان عند الخبث والمارد إذا زادت قوته والعفريت عند بلوغه أقصى درجات البطش، ومنهم من يسكن الخرابات أو يرافق الإنسان ك العامر أو يلاعب الأطفال ويؤذيهم كالأرواح.

أما في الموروث الشعبي فنجد أسماء تحمل رهبة وغرابة وكأنها مقتطعة من مشهد سينمائي سريالي:

• الخبّابة: امرأة غامضة ترتدي السواد وتخطف الصغار وتغوي الرجال.

• السعلوة: مخلوق غامض أنثوي يغوي الرجال ليلاً ثم يقتلهم.

• حمارة القايلة: نصفها آدمي ونصفها حمار، تظهر وقت الظهيرة لتخيف الأطفال.

• أبو مغوي: يغوي البحارة بصوت أصدقائهم ليغرقهم في البحر.

• الدعيدع: يظهر في المقابر والنخيل، يحاكي الأصوات ويخدع السائرين.

• الطنطل: طويل القامة بشكل خارق، يوصف بأنه طويل كالنخيل.

• الجاثوم «أو عثيون»: يجثم على صدر النائم، يخنقه ويحبس صوته.

• عبد العين: يسكن العيون ويُتهم بإغراق السباحين.

• الراعية أو العمار: تسكن البيوت، قد تؤذي أو تكتفي بالحضور العرضي.

• أم الخضر والليف: ليست جنية، بل رمز خوف اخترعته الجدات لتخويف الأطفال من النخلة ليلاً.

كل هذه الشخصيات وغيرها شكلت جزءا من أساليب التربية القديمة، وأدوات السيطرة على الأطفال، بل أحيانا كانت وسيلة لفهم ما لم يكن له تفسير في ذاك الزمان.

الإيمان والخيال

يختلف الناس في مواقفهم من هذا العالم بين مؤمن يفسر كل غرابة على أنها بفعل الجن، ومتشدد يرى الحديث عنهم فتحا لباب الخرافة، ومتسامح يتقبل وجودهم دون الخوض في التفاصيل، ومستغل يعتاش من معاناة الآخرين، سواء بصفة راق أو محتال.

لكن المهم هو التفريق بين ما ورد به النص، وبين ما أضافه الخيال الشعبي فالحكايات ليست كلها حقائق، ولا كل ما نسمعه عن الجن يدخل في إطار المعلومة المؤكدة، ومع ذلك تبقى هذه القصص جزءا لا يتجزأ من تراثنا الثقافي والشفهي، وقد تصلح مادة للدراسة والتأمل لا للتصديق الأعمى أو التكذيب القاطع، وهكذا هو عالم الجن بين المجهول والمعروف، بين الوعي واللاوعي، بين الحقيقة والأسطورة.