آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

اللعب أولاً.. اللعب دائما

رائدة السبع * صحيفة اليوم

قبل مائة وسبعٍ وأربعين سنة، وتحديدًا في عام 1878، اعاد أبٌ من رحلة طويلة وهو يحمل لولديه لعبةً صغيرة لا تُشبه ألعاب ذلك الزمان: مروحية من قصبٍ وورقٍ وخيطٍ مطّاطي، تدور شفراتها بخفة في الهواء قبل أن تهبط كفكرة لا تريد أن تموت. كان الأب هو الأسقف ميلتون رايت، والولدان هما أورفيل وولبر رايت، اللذان سيُعيدان لاحقًا تعريف علاقة الإنسان بالسماء.

بعد أكثر من أربعة عقود، كتب أورفيل في شهادته أمام القضاء الأمريكي عام 1920:

«تلك اللعبة الصغيرة جعلتنا نفكّر، صنعنا مثلها أخرى أكبر، بقوة أشد، حتى بدا الطيران ممكنًا.»

من لعبة بسيطة انبثقت شرارة أول طيران بشري. لم تكن المروحية الورقية مجرد لعبة؛ بل كانت تمرينًا للخيال، واختبارًا للفضول، ومختبرًا صغيرًا للعقل. فاللعب، في جوهره، ليس ترفًا أو هروبًا من الجِد، بل وسيلة لإطلاق الأفكار، وتحويل الخطأ إلى تجربة، والدهشة إلى اكتشاف.

الطفل حين يلعب لا يعرف معنى الخوف من الفشل، والمبتكر حين يجرب لا يخاف من النتائج، فكلاهما يختبر الاحتمال، ويستكشف ما لا يُرى للوهلة الأولى. اللعب إذًا ليس ضد العمل، بل ضد الجمود، هو الحالة الذهنية التي تُعيد الإنسان إلى نقطة البداية: حيث يكون كل شيء ممكنًا، وكل فكرة تستحق التجربة.

في بيئات العمل الحديثة، عندما تُتيح المؤسسات مساحة للعب الإبداعي، فإنها تفتح نوافذ جديدة نحو الابتكار، وتُنتج حلولًا لم تكن لتولد في بيئة مغلقة صارمة. اللعب هنا يصبح أداة معرفية، محفزًا للدهشة والبهجة، ومولدًا للإبداع والجمال في الحياة والعمل.

«رغم أن اللعب يبدو سعيًا تافهًا أو طفوليًا في الظاهر، لكنه حافز جيد لحياة أكثر إنتاجيةً وإبداعًا - عكسه اللعب ليس العمل وإنما الكآبة. حين يعيش الناس وفقًا لما أسميه ب»شخصية اللعب»، فإن النتيجة دائمًا حياة مليئة بالقوة، الجمال والإبداع."

د. ستيوارت براون

لقد كانت المروحية الورقية التي تدور في بيت صغير بولاية أوهايو أكثر من لعبة؛ كانت أولى شرارات الفضول التي أطلقت الإنسان نحو السماء. وفي النهاية، ليس المهم فقط ما نبتكره، بل كيف نلعب لنصل إليه.