آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

علمت شيئًا وغابت عنك أشياء

جمال حسن المطوع

”علمت شيئًا وغابت عنك أشياء“، مثل يحاكي أمورًا نعيشها على أرض الواقع، فالإنسان إذا جهل ما لا يعرفه تراه يشرق تارة ويغرب أخرى، يتعجب من ظواهر شاهدها بعينه، ويطرح تساؤلات في غير محلها، ولكن لو عرف السبب لبطل العجب.

بعد هذه المقدمة، يقول أحدهم: التقيتُ بأحد الأشخاص الذين يقومون بين آونة وأخرى بزيارة إلى إحدى الديوانيات التي نتسامر فيها، وعجبت من لباسه غير التقليدي الذي كان يرتديه، فوجهت إليه سؤالًا في استغراب: لمَ لباسك بهذا الشكل الغريب؟ «جيوبه كبيرة وأكمامه قصيرة». فوجئت برد قاسٍ منه، وكأنني أثرت مشاعره وتغيرت ملامحه، فاشتطّ غاضبًا، وكان كلامه فيه لكنة غير واضحة النطق، فقال لي بعبارات متقطعة: أنا شخص معاق، وهذا اللباس هو الذي يناسب حالتي.

فشعرت بحرج وخجل شديد، وقدمت له اعتذاري وأسفي الشديدين على ما بدر مني، وأخذت عهدًا على نفسي أن أتريث في مثل هذه الحالات المحرجة مرة أخرى، وألا أتسرع في إصدار أي تعليق أو إثارة قبل أن أطلع على مكامن الأمور وسببها.

من هنا أقول: مهلاً وصبرًا في كيفية فن التعامل مع هذه النوعية من الحالات المرضية، وأن نكون أكثر لطفًا وعناية ورحمة بأصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن ننظر إليهم بعين الرعاية والعناية، وألا نستبق الأحداث في توجيه الملامة إلى أي أحدٍ منهم أو مساءلتهم، وكأننا الرقباء على ما يلبسون ويفعلون. فهناك منهم من يتألم لوضعه ويعصره الألم عصرًا لوضعه وحالته المرضية، ونحن بكل برود وعدم إحساس إنساني نحرجهم بأسئلة لا داعي لها ولا تراعي حالتهم الصحية والبدنية والنفسية، ونجادلهم ما سبب هذا وما سبب ذاك، ممّا يجعلهم في وضع لا يُحسدون عليه بين المطرقة والسندان.

فدعوهم وشأنهم كي يشعروا بأنهم يعيشون حياة طبيعية على شدتها، وندعمهم ونقوي ثقتهم بأنفسهم لكي يكون دافعًا لهم لأن يواصلوا رحلة العمر على رغم معاناتهم، فحريٌّ بنا أن نكون سندًا لهم بعد الله جل جلاله في شق طريق حياتهم بشكل طبيعي على رغم ما يواجهونه من عقبات وصعوبات في التكيف مع أوضاعهم.

إذًا، فلنمد لهم يد العون ومساعدتهم في تسهيل أمورهم بقلوب منفتحة ونفوس رحيمة، ونغرس فيهم الأمل والطموح والدافع ليواصلوا مسيرة حياتهم بدون أي عوائق أو منغصات.

والله الموفق.