آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

السقف الذي نحتمي تحته

أمير بوخمسين

هناك من يظن أن الأخلاق تؤجل وقت الأزمات، بينما الحقيقة تقول إن الأخلاق تعرف في أشد اللحظات قسوة. وعند المحن في زمن السلم، الناس تزين نفسها بالفضائل لأن الطريق ممهد، وفي زمن الفوضى، النفوس تكشف بالرتوش. ولعل الحروب خير دليل على كشف حقيقة الإنسان ومعدنه، فما نراه في الكثير من الدول، والفوضى العارمة التي تسود هذه المجتمعات، لدليل على هشاشة الالتزام بالقيم الأخلاقية، فمن يثبت، ومن يبيع ضميره بثمن الخوف أو الجوع أو الغنيمة.

إن الأخلاق لا تهبط فجأة، ولا تُكتسب عبر تمارين وخطوات محددة، لكنها تتكون عبر سنوات من التربية والإيمان والقدوة. تبدأ من البيت، وتكبر في مجتمع يحترم القانون، وتزدهر حين يرى الإنسان أمامه نموذجًا يحتذى به. الدول القوية تصون الأخلاق لأنها توفر العدل، والعدل أكبر رافعة للضمير الإنساني.

لا توجد أخلاق في الأرض لا يشعر فيها المواطن بالأمان وبحقه في العدل والحياة الكريمة. تبدأ الأخلاق في التآكل رويدًا رويدًا، حين يسكت الناس عن الظلم، وحين يتحول الغضب من الباطل إلى عادة يومية بلا فعل. تبدأ بالقبول الصغير، وتبرير السرقة باسم الحاجة، وتبرير القسوة باسم النجاة، وتبرير الصمت باسم الحكمة. حينها تتحول الفوضى إلى معيار، ويصبح القوي هو من يفرض حكمه لا من يصون حقه.

الأخلاق هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تحدد سلوك الأفراد وتوجهاتهم. ويمكن أن نبني الأخلاق من خلال مجموعة من العوامل: الدين والمعتقدات، فالعديد من الأديان توفر إرشادات أخلاقية واضحة، مما يساعد الأفراد على تحديد ما هو صحيح وما هو خطأ. التربية والتنشئة، فالعائلة تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل القيم الأخلاقية، والأهل قدوة لأبنائهم، وسلوكهم يؤثر على فهم الأطفال للأخلاق. التعليم، فالمناهج الدراسية التي تتناول موضوعات مثل العدالة، الاحترام والتعاطف، تعزز القيم الأخلاقية. التجارب الحياتية والتجارب الشخصية والتفاعل مع الآخرين يمكن أن تُسهم في تطوير الفهم الأخلاقي. المجتمع والثقافة، فالقيم الاجتماعية والثقافية تؤثر على الأخلاق، والمجتمعات التي تعزز التعاون والتسامح تساهم في بناء أخلاق الأفراد.

لا شيء يهدم الأخلاق سوى أن يتعود الإنسان على رؤية الباطل دون أن يُنكره، أو يرفضه، ويشير إليه مباشرةً، عاملاً ومجتهدًا في محاربته وتغييره، فالأوطان لا تزدهر وتسمو إلا بأيدٍ نظيفةٍ وقلوب واعية. ولا تُبنى دون أخلاق وصوت ضمير. أما كيف تنهدم الأخلاق: غياب القدوة، فعندما يفتقر الأفراد إلى نماذج إيجابية تتأثر قيمهم الأخلاقية سلبًا. التأثيرات السلبية، فالتعرض للعنف أو الظلم أو الفساد يؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية. الضغوط الاجتماعية، فأحيانًا قد يضطر الأفراد إلى تبني سلوكيات غير أخلاقية نتيجة لضغوط من المجتمع. عدم التعليم، فالنقص في التعليم بالقيم الأخلاقية يؤدي إلى سوء الفهم والسلوك غير الأخلاقي. الانفصال عن القيم، فمع مرور الوقت، التغير الثقافي أو الاجتماعي يحدث تآكلًا في القيم الأخلاقية التقليدية.

الأخلاق ليست ثابتة، بل تتشكل وتتغير بناءً على عدة عوامل، وتعزيز القيم الأخلاقية يتطلب جهدًا مستمرًا من الأفراد والمجتمعات. إن نهضة المجتمعات تُقاس بقدرتها على حماية القيم حين يتصارع البقاء والإنسانية. والطريق لبناء الأخلاق يبدأ بإعادة الروح إلى العدل، فلا إصلاح بلا عدالة تقتصُّ للمظلوم وتحاسب الظالم. ويأتي دور الوعي والتعليم وتقديم القدوة. تحتاج المجتمعات إلى أصوات صادقة تقول الحقيقة، لا أصواتٌ تساوم عليها، وتحتاج إلى عيون تسهر على الناس لا على السلطة. الأخلاق تُبنى حين نربط بين الإيمان والقيمة والسلوك اليومي، وتسقط المجتمعات وتنهار حين ننسى أن الإنسان قيمةٌ قبل أن يكون فردًا في معركة أو رقمًا في صف. الأخلاق هي السقف الذي نحتمي تحته حين ينهار كل شيء.