آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

حين يسأل الضوءُ عن نفسه

نازك الخنيزي

حين يسأل الضوءُ عن نفسه

من بينِ الشفاهِ العابرة،
تولدُ الأسئلةُ كأطفالِ الضوء،
تبحثُ عن بيتٍ في قلوبِنا.

“كيفك أنت؟”
جملةٌ صغيرةٌ تتسلّل كنسمةٍ في زحامِ العالم،
لكنّها حين تلمسُ القلبَ
تصيرُ نداءً يُعيد ترتيبَ الروح،
تُوقظُ ما غفَا فينا من دفء،
وتفتحُ نافذةً في جدارِ الوقت
ليطلَّ وجهُ الإنسانِ من خلفِ ركامِه.

ليست كلمةً تُقال،
بل مرآةٌ للحياةِ حين تهمسُ:
ما زلتَ هنا، رغمَ كلِّ ما مضى.

يُجيبُ المتنبي بقلقٍ تحته ريح،
ويتمتمُ بوكوفسكي بخيبته كاعترافٍ مؤجَّل،
ويتكئُ كافكا على وحدتِه كعكّازٍ للنجاة،
ويتنفّسُ بيسوا عزلةً تشبهُ الضوءَ الأخير،
بينما يبتسمُ درويشُ خفيةً،
كمن أدركَ أنّ الحزنَ لا يُنافي الفرح، بل يُعرّفه.

وأنا؟
الممرّ بين النداءِ وظلّه،
أُصغي لما لم يُقَل،
وأجمعُ فتاتَ النورِ من شقوقِ المساءِ،
أغسلُ يومي بما تبقّى من الحنين،
وأقيسُ المسافةَ بين النبضِ والمعنى،
فأجدُها تضيقُ كلّما قلتُ: “أنا بخير.”

ما كانت “كيفك أنت؟” استفهامًا،
بل أثرًا يمرّ فينا كالماء،
يُذكّرُنا أننا ما زلنا نحيا،
ولو على حافةِ العدم.

أُجيبُ بابتسامةٍ من غيم:
ما زلتُ أتعافى من الغياب،
وأتدرّبُ على أن أكون…
قبل أن ينساني الضوءُ الذي سأل.

ربما الإجابة… مجرّد صمتٍ يبتسم.

من سلسلة «نصوص تتذكّر أن الضوءَ لا يشيخ»