آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

تسبيح الزهراء «عليها السّلام».. سرّ النور الذي تُفتح به أبواب الحوائج

إن تسبيح السيدة الزهراء عبادةٌ جامعة بين الفكر والوجدان، وبين التسليم والتوحيد، وهو من السنن المؤكدة التي توارثها الصالحون والأبرار، لا يُستغنى عنها في ليلٍ أو نهار.

وفي عالمٍ يزدحم بالضجيج، وتتنازع فيه القلوب بين الهمّ والرغبة، يظلّ تسبيح الزهراء نغمةً إلهية تهبط على الأرواح كنسمة من نور. إنه ليس مجرد ألفاظٍ تُردّد، بل سرٌّ من أسرار الطمأنينة، وبابٌ من أبواب استجابة الدعاء. أهداه النبيّ ﷺ لابنته الطاهرة حين طلبت عونًا، فكان العطاء أسمى من الخادم والدنيا بما فيها: تسبيحٌ يُبدّل التعب راحة، والحاجة يقينًا، والضيق سعة.

ذلك التسبيح الفاطمي الذي يبدأ بـ الله أكبر وينتهي بـ سبحان الله، يحمل في حروفه وعدًا خفيًا بأنّ من لزمه أُغدقت عليه بركات الأرض والسماء، وفتحت له أبواب الحوائج برضا الله ورضا السيدة الزهراء .

من صفحات الدعاء إلى محراب العبادة: حضور تسبيح الزهراء :

قال الكفعمي: «تصلّي ركعتين، فإذا سلّمت فكبّر اللّه ثلاثًا، وسبّح تسبيح الزهراء عليها السّلام، واسجد وقل مائة مرة: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني، ثم ضع خدّك الأيمن وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك، ثم ضع خدّك الأيسر على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك تُقضى» [1] .

وقال السيد ابن طاووس في ذكر صلاة الحاجة في جامع الكوفة: «من صلّى في مسجد الكوفة ركعتين، فإذا سلّم سبّح تسبيح الزهراء عليها السّلام، ثم سأل اللّه سبحانه أيّ حاجة شاء قضاها له واستجاب دعاءه» [2] .

هذا النص من أقدم ما ورد في كتب الدعاء والعبادة، ويكشف بعمقٍ عن البعد العملي والروحي لتسبيح السيدة الزهراء ، باعتباره بابًا من أبواب قضاء الحوائج واتصال العبد بالفيض الإلهي.

فالكفعمي في البلد الأمين، والسيد في مصباح الزائر، لم يذكرا التسبيح مجرد ذكرٍ بعد الصلاة، بل جعلوه مفتاحًا للطلب والرجاء، يُفتَح به باب الدعاء في سجدة التضرّع. فالمؤمن يبدأ بركعتين خالصتين، يسلّم فيهما لله قلبه قبل بدنه، ثم يسبّح تسبيح الزهراء ، وكأنه يتطهّر بالذكر قبل أن يطرق باب الحاجة.

البعد الروحي للتسبيح الفاطمي:

ثم تأتي السجدة الطويلة التي يُكرّر فيها النداء: «يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني»، وهو نداءٌ يعكس الارتباط الوجداني بولية الله الطاهرة التي اصطفاها الله وسيلةً للقرب منه، وجعل محبتها امتدادًا لمحبة نبيّه. وهذا النداء ليس بديلًا عن التوجّه إلى الله، بل توسّلٌ بمن جعل الله رضاها من رضاه، وسيلةٌ يستمدّ بها العبد شفاعة النور المحمديّ الفاطميّ.

أما التكرار في السجود - مائة مرة ثم عشر مرات - فهو تربية للنفس على الإصرار في الدعاء، وتأكيد على اليقين بالاستجابة. فالتسبيح في هذا المقام يهيئ القلب لصفاء الطلب، فيرتفع الدعاء في طهرٍ وإخلاص، وتُفتح به أبواب الرحمة.

وفي ذكر صلاة الحاجة في مسجد الكوفة - وهو من أقدس المساجد - إشارة إلى أن تسبيح الزهراء لا يُقيَّد بزمانٍ أو مكان، بل يكتسب قوةً مضاعفة في المواطن المباركة، ليصبح محرابًا مصغّرًا يتجلّى فيه وعد الله: «ادعوني أستجب لكم».

كرامات وتجارب العلماء:

ذكر السيد محسن الخرازي عن آية الله العظمى الشيخ الأراكي «رحمه الله» أنه قال:

«عندما تواجهني مشكلة ما، أسبّح تسبيح السيدة الزهراء ، وأصلي على محمد وآل محمد، وأهدي ثوابها إلى أرواح المعصومين الأربعة عشر ، فأرى أن مشكلتي قد حُلّت بسهولة، وأكثر ما جرّبت ذلك في المسائل العلمية» [3] .

كرامة فاطمية بفضل تسبيحة فاطمة ‏:

حدَّثني بعض الأخوة الثقات من‏[جزيرة تاروت‏]قال: قبل نحو عشرين سنة، ونحن الآن في عام 1441 هـ - كانت زوجتي حاملاً بتوأم، ولما قربت ولادتها جئت بها إلى المستوصف الطبي عندنا في البلد، وفي أثناء ولادتها بالولد الثاني تعسرت ولادتها به، حيث كان معترضاً وليس في وضعه الطبيعي، وأصبحت في حال يرثى إليها فيه من شدة الآلام والأوجاع وأصبح جنينها في خطر، وأخبروني أنهم غير قادرين على حل هذه المشكلة، حيث كانت إمكانياتهم بسيطة إزاء ما تمتلكه المستشفيات الكبيرة من إجراء ما يلزم من العمليات الجراحية وغيرها على أيدي ذوي الاختصاص في هذا الأمر، وفي نفس الوقت يجدون أنفسهم غير قادرين على نقلها إلى المستشفى حيث كانت الضرورة تحكم بسرعة إنقاذها وإنقاذ جنينها. يقول: فتحيرت ماذا أصنع لزوجتي في هذه الحال، فخرجت ووقفت على باب المستوصف وأنا غارق في التفكير ماذا أعمل! فتذكرت أني سمعت يوماً من الأيام العلامة الجليل الشيخ عباس المحروس القطيفي حفظه الله تعالى في أحد المجالس الفاطمية يتحدث عن فضل تسبيحة فاطمة ‏، وذكر أنها من المجربات في قضاء الحوائج وحل المشاكل، فلزمت السبحة التي بحوزتي وسبحت تسبيح فاطمة ‏، وبمجرد أني أكملتها، وإذا بي أراهم يركضون نحوي ويبشرونني أنها ولدت الولد ولادة طبيعية بأحسن ما يكون، وأن الولد خرج سالماً، وقالوا وهم يبكون فرحاً، ومتعجبون جداً مما جرى أنهم في ساعة محاولتهم الأخيرة في إخراج الولد شعروا أن هناك عناية إلهية في خروج الولد بهذه السرعة حيث كان معترضاً ومن العسير أن يخرج بهذه السهولة. يقول: فحمدت الله تعالى على كرمه ومنّه حيث أراني كرامة من كرامات الزهراء ‏ ببركة التوسل بها ‏. [4] 

الخاتمة:

إن تسبيح الزهراء ليس ذكرًا يُقال على الألسن، بل عبادة نورٍ تُسكَن بها الأرواح وتُفتح بها الأبواب.

إنه مدرسة في اليقين والتوسل والطمأنينة، يعلّم المؤمن أن الطريق إلى الله يُعبَّد بصفاء النية، لا بكثرة القول، وبصدق الالتجاء، لا بعنف الطلب.

فما من قلبٍ صدق في ترديده إلا وانفرجت همومه، وما من يدٍ رفعته إلا وأمطرت عليها السماء رحمة.

تسبيح الزهراء هو وعدٌ سماويٌّ بالفرج، ونورٌ يتجلّى في ظلمة الحاجة، وبابٌ تُطرق به أبواب الرحمة والحوائج برضا الله ورضا الزهراء .


[1]  بحار الأنوار: ج 99 ص 254 ح 12، عن البلد الأمين.

[2]  مصباح المتهجد: ص 141.

[3]  أذكار العارفين، الشيخ إبراهيم الكاظمي الخوانساري، ص 155.

[4]  موسوعة المعارف الفاطمية، الشيخ عبد الله الحسن.
استشاري طب أطفال وحساسية