آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

فن التعامل مع الشدائد

رضي منصور العسيف *

الحياة ليست لوحة من الورد، ولا طريقًا مفروشًا بالرياحين… إنها مزيج متناسق من الألوان؛ فيها الفرح والحزن، السهل والعسير، النور والظلال. ومنذ أول لحظة، أعلن القرآن هذه الحقيقة الخالدة: ﴿لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ [البلد: 4]

أي في تعبٍ وكدحٍ ومواجهة مستمرة. من يُدرك هذه الحقيقة يعيش الحياة بوعي واتزان، أما من ينتظر منها صفاءً دائمًا، فإنه سرعان ما يتعثر بأول مطبٍّ من مطبّات الواقع.

كثيرون يضعون حول أنفسهم دائرةً من الحزن والشكوى، يضخّمون الألم حتى يغطي على الجمال الكامن في تفاصيل يومهم، متناسين أن الصعوبات ليست نهاية الطريق، بل هي دروس تصقلنا وتكشف فينا معدن القوة.

يمكن التعامل مع الصعوبات والشدائد من خلال بعض النقاط:

الاستعداد النفسي للصعوبات

الراحة لا تدوم، والترف لا يُخلّد، فالحياة في تغير دائم. من يُدرّب نفسه على تقبّل التحوّلات، لا يفاجئه الألم، بل يستقبله بثباتٍ ووعي. علّم أبناءك أن الصعوبة جزء من النمو، وأن سقوطهم في أول الطريق ليس فشلًا، بل بداية لتعلم الوقوف.

وازن حجم المشكلة

قد يكون الجرح صغيرًا، لكن المبالغة في الخوف منه تجعله يبدو نزيفًا لا يُحتمل. تعامل مع مشاكلك بقدرها؛ فلا تُضخّم الصغير فتخنق نفسك، ولا تُهمِل الكبير حتى يتحوّل إلى جبل. الوعي بالمقدار هو نصف الحل.

اطلب المساعدة بثقة

ليس ضعفًا أن تقول: ”أحتاج المساندة“، بل نضجٌ وشجاعة. فكم من عقدةٍ انحلت بمشورة صديق، وكم من همٍّ تلاشى بكلمة من قريب. لا تحمل عبء الحياة وحدك، فاليد الواحدة لا تصفق، ولكنها حين تمتد لأخرى تصنع نغمة توازن وطمأنينة.

واجه لا تهرب

المشكلة ليست نهاية المطاف، بل بداية رحلة إصلاح. قاومها بالعقل والحكمة، لا بالغضب والانفعال. واجهها كما يواجه الملاح الرياح العاتية: لا يهرب منها، بل يستخدمها ليبلغ الشاطئ.

الخلاصة:

من يفهم الحياة يفهم أن الصعوبات ليست نقمة، بل تدريب على القوة. وقد لخّص أميرُ المؤمنين «صلوات الله وسلامه عليه» هذه الحقيقة بقوله:

”عندَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تَكُونُ الفَرْجَةُ، وعِندَ تَضَايُقِ حَلَقِ البَلاءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ“ [1] .

فحين يشتدّ البلاء، يولد الإبداع، وحين تضيق الدروب، تنفتح النوافذ لمن يؤمن أن مع العسر يُولد اليسر.

”إنها ليست الحياة التي تصعب، بل نحن الذين ننسى أن في داخلنا طاقة قادرة على تحويل الألم إلى حكمة، والعثرة إلى خطوة نحو النور.“


[1]  نهج البلاغة، د، صبحي الصالح، ص 536
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف