لماذا نهتم بتراث وتاريخ الأحساء
تحتضن الأحساء تراثًا قديمًا وعريقًا يمتد لآلاف السنين، وتعد واحة الأحساء موقعًا تراثيًا عالميًا في اليونسكو، ويشمل تراث الأحساء ومعالمها التاريخية والأثرية قصورًا تاريخية مثل قصر إبراهيم وقصر صاهود، وأسواقًا شعبية قديمة مثل سوق القيصرية، بالإضافة إلى مواقع طبيعية مثل جبل القارة وميناء العقير التاريخي.
وفي الأحساء يوجد أربعون موقعًا أثريًا، تسعة منها مواقع أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي، وهي واحة الأحساء، وقصر صاهود، وجبل القارة، وقصر محيرس، ومسجد جواثى، وميناء العقير، وسوق القيصرية، وقصر أبو جلال، وموقعان قد هُدما وهما قصر العبيد، وقصر أجود بن زامل.
ويساهم التراث في استمرارية الروابط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويساعد على التعرف على تجارب المجتمعات ومراحل الثقافة المترابطة بينهم، وبه يتكون جسر بين الأجيال يدوم كمصدر ملهم للإبداع وتشجيع الأجيال الجديدة على أن تبني على إرثها الثقافي إنتاج أعمال فنية وفكرية جديدة.
وللتراث أهمية في بناء المشتركات الاجتماعية، سواء كان ماديًا أو غير مادي، فهو يربط أفراد المجتمع ببعضهم من خلال توفير ذاكرة مشتركة وقيم أخلاقية مشتركة، مما يعمق شعور الأفراد بالانتماء للوطن والمجموعة، ويدعم التماسك الاجتماعي. وتذكر الباحثة كريستين تمبل، صاحبة كتاب المخ البشري: مدخل إلى دراسة السيكولوجيا والسلوك، أن ”الذاكرة هي التي تمكننا من فهم العالم من خلال ربطنا بين خبراتنا الراهنة ومعارفنا السابقة عن العالم“.
كما ترتكز فاعلية التراث في دوره الأساسي في بناء الهوية الوطنية للشعوب والأمم، حيث يشكل رمزًا للارتباط بالأصل والجذور الثقافية، ورمزًا للمعرفة المشتركة، ورمزًا مرتبطًا بالأماكن التي تعكس بيئة وصفات الشعوب وتاريخها الثقافي. وفي الأحساء يعود تاريخ التواجد البشري إلى آلاف السنين، وتمثل الأحساء حلقة وصل استراتيجية مع العالم عبر العصور، حيث تعاقبت عليها حضارات وثقافات متعددة.
وتتزايد قيمة التراث في ارتباطه بدعم وتنمية الاقتصاد الوطني وإنعاشه، وخاصة الاقتصادات المحلية من خلال السياحة الثقافية في معالم التراث، فالتراث مرآة تعكس تاريخ وحياة الشعوب عبر نقل المعرفة والخبرات والقيم التي تعتبر مصدرًا مهمًا للدخل الوطني.
ويحتل التراث مكانة مهمة في ذاكرة الأمم، لما له من رابطة عميقة بين الإنسان والأرض التي نشأ فيها الفرد والمجتمع. وتعتني اليونيسكو برفع مستوى الوعي بالتراث، وإنشاء وكالات ومؤسسات تزيد من وعي الناس بأهمية التراث من أجل المحافظة عليه، وتشجع الباحثين من مختلف المناطق على استكشاف التاريخ والتراث الذي يوشك على الاندثار والنسيان في طي الكتب.
ومعالم التراث تشكل مدخرات نفيسة لكل أمة، فلا يقاس هذا الإرث بثمن، فمن خلاله يمكن نقل المعارف والمهارات والقيم من جيل إلى آخر، مما يضمن استمرارية الثقافة وربط الأجيال الجديدة بأسلافها. فقد تم تسجيل واحة الأحساء كأحد مواقع التراث العالمي في اليونسكو عام 2018، تقديرًا لقيمتها التاريخية والثقافية.
وكما أن للتراث أهمية وشغفًا في وجدان الأمم، فإن للتاريخ أهمية لا تقل عنه، لذلك فإن الباحثين والمؤرخين يحرصون على البحث في التاريخ لعدة أسباب جوهرية، فهو ليس مجرد سجل للأحداث الماضية، بل هو جزء أساسي من الهوية الجماعية، ومرجع لفهم الماضي وتقييم الحاضر وبناء المستقبل.
فالتاريخ يساعد الباحث والمؤرخ على فهم الحاضر وتشكيل المستقبل، وفهم كيفية تشكل المجتمعات والثقافات التي نعيش فيها اليوم من خلال دراسة تجارب الماضي، واتخاذ قرارات أفضل للمستقبل.
ويستكشف الباحث والمؤرخ من خلال معرفة التاريخ علم الماضين من تجارب الأمم والشعوب السابقة دروسًا عملية من ثقافات الحضارات السابقة، وأسباب نهوض الحضارات وسقوطها، مما يمنحنا الحكمة اللازمة في معرفة تأثير حركة التاريخ في حياة الأمم والشعوب.
ومعرفة التاريخ تمكن الباحث من اكتساب مهارة التحليل الكمي للشعوب والأمم، فهناك أرقام وبيانات يمكن استخلاصها من التاريخ، من حيث أنماط السكان والعوامل البيئية، وأيضًا التعرف على التحليل النوعي بقياس شيء ما بالنوعية وليس بالكمية من أجل وصفه، فمن خلال هذا التحليل يتم فهم الدوافع والسلوكيات من خلال فهم الأشياء والمشاعر والأفكار والتصورات.
والباحث المطلع على تفاصيل مجريات المتغيرات التاريخية للأمم تتطور لديه مهارات اتخاذ القرارات الصحيحة، والقدرة على توقع التوجهات المستقبلية بناءً على الأنماط التاريخية، فمن خلال دراسة الأحداث التاريخية يمكننا جميعًا تعلم دروس قيّمة، وتجنب إخفاقات الماضي، واتخاذ قرارات مدروسة تؤثر إيجابًا على تطورنا الشخصي.
ومن خلال قراءة التاريخ وتطوره وتحليل المعلومات، يتنامى لدى الباحث والمهتم بالتاريخ المهارات التحليلية وتطوير التفكير النقدي وتحليل الأحداث من مصادر مختلفة، مما يصقل مهارات التفكير النقدي والتحليل لدى الأفراد.
وللتاريخ والتراث مساهمة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية ك ”ذاكرة“ للمجتمع، تضمن بقاء الإنجازات الثقافية والفكرية للأجيال السابقة حاضرة للأجيال القادمة، مما يزودنا بنظرة عميقة لكيفية تشكلنا كأفراد ومجتمعات، ويمنحنا شعورًا بالانتماء من خلال الارتباط بأصولنا وتجارب أجدادنا.
فالمؤرخ أو الباحث الذي يبحث في التاريخ والتراث لا بد له من فهم كل منهما والعلاقة المترابطة بينهما، فالتراث يمثل أحد أهم مصادر التاريخ، والتراث هو فعل الإنسان وقيمه وثقافته وتجاربه في الماضي، ولا يمكن أن يكون هناك بحث تاريخي بدون الغوص في التراث للوصول إلى الحقائق. ولهذا نحتاج إلى فهم للتاريخ ووعي بالتراث ومعرفة طبيعة العلاقة بينهما.
من ذلك يتضح أن التراث والتاريخ ثروة وإرث وطني لكل أمة جعل المؤرخ والباحث شغوفًا بالاهتمام بهما، وأنشأ تأثيرًا فاعلًا ومتكاملًا لدى الباحث بين تدوين التاريخ وإحياء التراث والحفاظ عليه من خلال ما يقوم به من رصد كل أنواع التراث المحلي المادي وغير المادي، وتوثيق الموروثات والتقاليد والقيم والمنجزات التي تميز كل أمة وتجعلها فريدة.













