آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

السيد عدنان العوامي وسلطة الإلهام

عيسى العيد * صحيفة اليوم

كل إنسان لديه القابلية للإلهام، ولكن القابليات تتفاوت بين الناس؛ فقد تكون قوية ومحكمة عند شخص، بخلاف آخر الذي تكون عنده بسيطة. لكنها تظل مميّزة لدى أصحاب المواهب المختلفة؛ كأصحاب الفن التشكيلي، أو ملحّني الموسيقى، أو الشعراء الذين تكون لديهم درجة الإلهام غالبة بشكل ملحوظ، وكذلك أصحاب الأفكار المتقدمة والنشيطة.

وإذا عدنا إلى أصل المصطلح، نجد أن الإلهام لغةً هو التلقين والإلقاء في الروح أو النفس؛ يُقال: ألهمه الله الخير أي لقّنه إياه. وهو أيضًا: ما يُلقى في الروح" أو أن يُلقي الله في النفس أمرًا يبعثه على الفعل أو الترك. أمّا اصطلاحًا، فهو إحساس مفاجئ يتكوّن داخل عقل الإنسان بفكرة تنير داخله وتدفعه نحو فعلٍ أو إبداع. وفي سياق الحديث عن الإلهام، نجد رؤية الأديب الكبير الأستاذ عدنان العوامي للشعر؛ فهو يذكر أن الشاعر حينما تتفتق قريحته الشعرية يكون خارج وعيه، فالقصيدة هي التي تكتب الشاعر وليس العكس. وقد شبّه القصيدة بالوردة ذات الجمال، وعلى الشاعر تركها كما هي، وعدم العبث بها. وقد سألته: لماذا لا ينتبه الشاعر بعدما يعود له وعيه ويُعدّل في القصيدة؟ فأجابني مباشرة: عندما يتم التعديل على القصيدة تصبح نظمًا لا شعرًا؛ لذلك نتركها كما جاءت من قريحة الشاعر.

ومن هذا المنطلق، يشير الأديب العوامي إلى أن الشاعر يكتب خارج وعيه، وكذلك الأفكار تتولد لدى أي شخص دون وعيه أو معرفته من أين جاءت تلك الفكرة. والحقيقة أنها تولدت بعدما تجانست عدة أفكار واختلطت حتى وصلت إلى نتيجتها الأخيرة. وهنا يظهر الفارق بين القصيدة التي قال عنها العوامي بعدم المساس بها وبين الفكرة التي تتولد لدى الإنسان: فكلاهما يكتبان صاحبهما، لكن صاحب الفكرة مُطالب بمراجعتها والبحث عمّا يسندها من أفكار أخرى لكي تخرج للعلن في أكمل صورة. وفي نهاية المطاف، ما أردتُ قوله: إنّ الأفكار حالها كحال الفنون المختلفة؛ مُلهِمة وملقاة في عقل الإنسان، ولكن على صاحبها أن يستفيد منها في وقتها، ويضعها في مكانها المناسب، كي لا تصبح ضمن المنسيّات أو المقتنيات الأثريّة التي لا حاجة لها بعد فوات الأوان.