شاهد: جرة فخارية نادرة عمرها 5000 عام.. تكشف أسرار جزيرة تاروت
كشفت حلقة حديثة من برنامج ”الآثار السعودية“ على القناة السعودية عن الأهمية الحضارية الاستثنائية لجزيرة تاروت، مستعرضةً جرة فخارية نادرة تعود إلى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد.
وتُعد هذه القطعة، التي اكتُشفت في موقع ”الرفيعة“ الحيوي بالجزيرة، بمثابة ”بطاقة تعريف“ بأسلوب العيش في واحدة من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في المملكة.
لا تقف أهمية الجرة عند عمرها المتقدم فحسب، بل في كونها دليلاً ملموساً على ”وحدة الطراز والاستخدام“ التي ربطت منطقة الخليج العربي في ذلك العصر.
وعُثر على نماذج مطابقة لها في مواقع أخرى لحضارة دلمون، وتحديداً في البحرين والقطيف، مما يعكس شبكة التبادل الثقافي والتجاري العميقة القائمة آنذاك.
ويعكس تصميم الجرة، المصنوعة من طين محلي فاتح، ”يداً خبيرة“ جمعت بين الوظيفة والدقة. فقاعدتها المستوية تمنحها الثبات، بينما يضيق عنقها ليسمح بالتحكم في الصب. كما وُصفت حافتها الخارجية البارزة بأنها ”تفصيلة ذكية“ تسهل إحكام الغطاء أو سكب المحتوى دون هدر، وتُظهر آثار أدوات التسوية اليدوية على سطحها مستوى الحرفية المتقدم.
وتحتضن جزيرة تاروت تاريخاً يتجاوز الاكتشافات الفخارية، إذ يربط بعض المؤرخين اسمها بالآلهة الفينيقية ”عشتارت“ أو ”عشتروت“. ويدعم هذا الطرح اكتشاف تمثال من الذهب الخالص للإلهة في الجزيرة، بالإضافة إلى النظرية القائلة بأن الفينيقيين ربما هاجروا أصلاً من منطقة الخليج إلى سواحل لبنان.
وأكد عالم الآثار الدنماركي جيفري بيبي في كتابه ”البحث عن دلمون“، أن تاروت ليست مجرد أقدم منطقة في السعودية، بل هي أيضاً ”أقدم موقع لمئذنة في الخليج“. ولم يكن ”خليج تاروت“، الذي عُرف قديماً بخليج كيوبس ثم بحر القطيف، مسطحاً مائياً هامشياً، بل كان ”مسرحاً للحضارات والطرقات“ التجارية.
ولقرون طويلة، كان اتصال الجزيرة بالبر الرئيسي يعتمد كلياً على حركة المد والجزر. ففي حالة الجزر، كان الناس يجتازون ”المخاضة“ الفاصلة مشياً على الأقدام أو على الدواب للوصول إلى القطيف، حسبما وثق ”أبو الفداء“ في القرن الثامن الهجري.
واستمر هذا الوضع حتى عام 1371 هـ ”الموافق 1951 م“، حين وضعت الحكومة السعودية جسراً يربطها بالقطيف بشكل دائم. هذا المشروع وأدى إلى استقرار الحركة وتيسير العبور، بعد أن كانت المنطقة تشهد نزاعات طويلة انتهت بتوحيد البلاد.
ومثّلت الجزيرة مركزاً سياسياً وتجارياً حيوياً في التاريخ الحديث، فشهدت عام 1334 هـ ”1915 م“ توقيع ”معاهدة دارين“، التي تعرف أحياناً بمعاهدة القطيف، بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والسير بيرسي كوكس.
واشتهرت ”دارين“، أهم قرى الجزيرة، بكونها ميناءً ذاع صيته حتى منتصف القرن الماضي، حيث كانت ترسو فيه السفن القادمة من الهند والمحملة بالتوابل والسيوف والمنسوجات.













