آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

شتاء غامض

سوزان آل حمود *

تتقلب النفس البشرية مع تقلبات فصول السنة، فلكل فصل سحره الخاص الذي يلامس أرواحنا بطرق مختلفة. في الصيف، تتوهج الحياة تحت أشعة الشمس الذهبية، فتملأنا بالطاقة والحيوية. أما الخريف، فيأتي بألوانه الدافئة التي تمنحنا شعورًا بالهدوء والتأمل. ومع قدوم الربيع، تتفتح الأزهار وتتجدد الآمال، فتنبعث فينا روح التفاؤل والبهجة. ولكن للشتاء حكاية أخرى، فهو يجمع بين الهدوء ودفء المنازل، وجمال الطبيعة وهو ترتدي ثوبها الأبيض. ومع ذلك، هناك نفوس لا تجد في هذا الفصل سوى البرد القارس الذي يجمد المشاعر، والغيوم التي تغطي السماء وتخفي نور الأمل.

وفي شتاء لا يُنسى، انقلبت موازين أسرة اعتادت على شقاء الحياة. كان ذاك الشتاء ليس كغيره من الشتاءات؛ فقد كان كابوسًا ثقيلًا يخيّم على منزلهم المتواضع. رب الأسرة كان بلا عمل، والأيام تمرّ ثقيلة، تزداد معها معاناة العيش. بينما كان الجميع يهللون لقدوم المطر ويحتفون ببرودة الجو التي تبعث الانتعاش، كانت تلك العائلة المنكوبة ترتجف خوفًا من كل قطرة مطر. لم يكن المطر نعمة، بل كان لعنة؛ فقد كان ينزل بغزارة لا تتوقف، حتى انهار سقف منزلهم الهش، تاركًا إياهم بلا مأوى. ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وأصبحوا يتضرعون إلى الله أن يوقف المطر، وأن تنقشع الغيوم، فليس لهم من هذا الشتاء سوى الألم واليأس.

كانت تلك الأسرة ترى جمال الشتاء من زاوية مختلفة، زاوية يملؤها التشرد والحاجة. بينما كانت الشوارع تتلألأ تحت أضواء الاحتفالات الشتوية، كانت أرواحهم مظلمة بلا بصيص أمل. كان الشتاء الغامض يخبئ لهم قدرًا لم يتوقعوه؛ ففي غمرة يأسهم، وبينما كانوا يبحثون عن مأوى، ظهر لهم رجل غريب عرض عليهم مساعدة لم تكن في الحسبان. لم يكن هذا الرجل مجرد عابر سبيل، بل كان نافذة أمل فتحت لهم أبواب الحياة من جديد، وبدأ معها الشتاء يغير قناعه الكئيب.

فهل كان هذا الشتاء حقًا كابوسًا؟ أم أنه كان مجرد بداية لمرحلة جديدة، محملة بفرص لم يكن لهم أن يحصلوا عليها لولا ذاك الشتاء القاسي؟

ختامًا

لعل هذا ما يميز الشتاء عن غيره من الفصول؛ فهو لا يقتصر على الأمطار والبرد فقط، بل هو مرآة تعكس أعمق مشاعرنا. إنه يختبر صبرنا، ويكشف لنا عن معادننا، ويثبت أن الخير قد يأتي من حيث لا نحتسب. فكل شتاء يحمل في طياته نهاية وبداية، قد تكون نهاية لمعاناة وبداية لأمل جديد، أو نهاية لأمل وبداية لمعاناة. ومع ذلك، يظل الشتاء الغامض هو الأكثر تأثيرًا؛ لأنه يعلّمنا أن أقسى الظروف قد تكون هي ذاتها التي تنحت شخصياتنا وتصنع مستقبلنا.