آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

علامة الغبي

سراج علي أبو السعود *

حدثني أحد الأصدقاء عن مديرٍ ظالمٍ يؤذي قريبًا له بلا انقطاع؛ يرهقه بالتكليفات، ويسلط عليه من يهينه، يمنحه من طرف اللسان حلاوةً، والحقيقة أن ذلك نفاقٌ وخداع. قال صديقي ذلك بحرقةٍ ظاهرة، بينما كنت أصغي إليه مبتسمًا. أثارت ابتسامتي حفيظته، فسألني بنبرةٍ حادة: ما بك تضحك؟ قلت له بهدوءٍ وتأمل: ابتسامتي ليست سخرية، بل لأنها أيقظت في نفسي يقينًا قديمًا؛ أن الظالم في حقيقته لا يعي عاقبة فعله. وعدالة الله سبحانه وتعالى لا تُغفل أحدًا. سيأتيه يومٌ يجد فيه وبال ما اقترفت يداه، يومٌ يُبدّل راحته ألمًا، وطمأنينته حسرات. أكاد أقسم أنه ما من ظالمٍ يبطش بالناس إلا وسيفُ العدل مُعلّقٌ فوق عنقه، قريبٌ منه لا محالة، ولو ظنّ أنه في مأمن. ولست معنيًّا - ولا مكترثًا - بمن يرى في حديثي شيئًا من الغيب أو الميتافيزيقيا، فحديثي موجَّه لمن يؤمن بعدالة الله المطلقة. من هنا أقول لذلك الذي أصابه ظلمٌ: اطمئن، واعلم يقينًا أن يوم العدل على الظالم أشدُّ من يوم الظلم على المظلوم.

في اعتقادي أن الظلم لا يصدر عن قوة، بل عن غباءٍ يجهل صاحبه عاقبته. من دلائل الغباء التي يغفل عنها كثير من الناس: الخبث والشرّ؛ فالحاجة إلى المكر لا تنشأ إلا من الضعف، والضعيف حين يعجز عن بلوغ غايته بالجدّ والاجتهاد وتطوير نفسه، يلجأ إلى الأساليب الملتوية ظنًّا منه أنها تعويضٌ عن نقصه. أمّا العاقل السويّ، فيرى في ضعفه فرصةً للتعلّم والنموّ، لا للتسلّط والخداع. ومن هنا كان المدير الخبيث، أو كلّ من يجعل من المكر طريقًا للتقدّم، مثالًا واضحًا على الغباء، وإن تزيّى بزيّ الدهاء. فالذكاء الحقّ لا يُثمر شرًّا، ولا يحتاج إلى خديعة. ولئن نُهي الناس عن التنابز بالألقاب، فإن وصف الظالم بالغبي ليس من باب الشتم، بل من باب توصيف الحال؛ إذ إنّ من يجاهر بالظلم والإيذاء، ثم يظنّ نفسه فطنًا، إنما هو في الحقيقة أجهل الناس بنفسه.

حديثي هنا أوجهه إلى كل ظالمٍ يبطش بمن هم دونه، لا سيّما في بيئات العمل ومؤسسات الإدارة: تذكّر أنّ يومًا لا محالة آتٍ، ستُبتلى فيه في نفسك أو في ولدك، وهذه العاقبة من صنعك أنت. وبقدر ما تتوهّم سعادةً في ظلم الآخرين، فاعلم أن غباءك هو الذي يدفعك إليها، لا ذكاؤك. ابتعد عن الظلم، وتدارك مصيرك بطلب الصفح ممن أسأت إليهم، واعلم أن نظرةً قاسيةً أو كلمةً جارحةً قد تكون سبب وبالٍ عليك في الدنيا قبل الآخرة. وحينها فقط ستدرك كم كنت غبيًا يوم ظننت أن الظلم طريقٌ إلى القوة. أما أنت أيها المظلوم، فحنانيك! إنك بعين الله، ولن يضيع حقّك عند من لا يظلم أحدًا. ثق بعدالته، وأوكل أمرك إليه، فعدله آتٍ، وإن طال الانتظار.