مؤتمر مستقبل الاستثمار - ليست حكاية مؤتمر، بل صعود الاستثمار إلى ومن السعودية
تشهد الرياض هذا الأسبوع انطلاق النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII9). وعبر تسع نسخ تطورت المبادرة من مؤتمر سنوي إلى منصة عالمية لدفع الاستثمارات في الابتكار والاستدامة والتنويع الاقتصادي، فقد ساهمت المبادرة عبر دوراتها في تسهيل صفقات تزيد عن 100 مليار دولار، مما عزز الشراكات التي تدعم النمو الاقتصادي، والاستقرار المالي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، والاستثمار الخارجي المباشر (ODI). وعلى الرغم من أهمية عقد صفقات، لكن ما سعت إليه المبادرة أكثر استراتيجيةً من حيث المنظور والسياق والتوقيت، ويتضح ذلك من الاهتمام المباشر الذي يوليه سمو ولي العهد لهذه المبادرة، ومن أبرز الشواهد مشاركته في الجلسات وإطلاقه مبادرات رئيسية من منصة مبادرة مستقبل الاستثمار، بما في ذلك الإعلان عن نيوم - مدينة عملاقة مستدامة بقيمة 500 مليار دولار - كركن أساسي لرؤية 2030، بهدف المساهمة بنسبة 4.5% في الناتج المحلي غير النفطي بحلول 2030 من خلال قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة المتجددة.
ووفقاً للتقارير المتاحة، ساهمت المشاريع المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة عبر مبادرة مستقبل الاستثمار في خلق أكثر من 500,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة، مع إنشاء 79 شركة جديدة عبر 13 قطاعًا استراتيجيًا (مثل السياحة والترفيه والطاقة المتجددة). هذا عزز أن ينمو الناتج المحلي غير النفطي بمعدل 4.3 بالمائة في 2023، مقارنة بـ 2.6% في 2017.
إجمالاً، سرّعت المبادرة تنفيذ العديد من أهداف رؤية 2030 الاقتصادية، وفي جعل الرياض منصة عالمية للاستثمار ولالتقاء المستثمرين، وذلك تزامناً مع اتخاذ الحكومة خطوات متقدمة ومتسقة لفتح الاقتصاد ولتسهيل ممارسة الأعمال. وبالفعل فقد شهد الاقتصاد السعودي تخطي مساهمة الأنشطة غير النفطية فاصل ال 50 بالمائة، وتنامي إجمالي تكوين رأس المال الثابت الإجمالي (GFCF) ليصل في العام 2024 إلى قمة تاريخية بقيمة 1.3 ترليون ريال، مقارنة بقيمة 931 مليار ريال في 2017، بالأسعار الثابتة وفقاً للهيئة العامة للإحصاء. ونسبةً للناتج المحلي الإجمالي، ارتفع من معدل 25 بالمائة في العام 2017 إلى 28 بالمائة في العام 2024، وحافظ عليها (28 بالمائة) في النصف الأول من العام 2025.
وباعتبار ترابط الاهتمامات، فقد نمت أصول صندوق الاستثمارات العامة تحت الإدارة من 150 مليار دولار في 2015 إلى 1.15 ترليون دولار كما في أغسطس 2025، وبتوظيف مبادرة مستقبل الاستثمار كمنصة صفقات منذ 2017، حقق الصندوق عوائد سنوية متوسطة 7.2 بالمائة، متفوقًا على العديد من صناديق الثروة السيادية، وبعض تلك الصفقات نوعي في تأثيره لزيادة سِعة الاقتصاد المحلي، منها على سبيل المثال لا الحصر مبادرة البنية التحتية بقيمة 20 مليار دولار تحتية مع بلاكستون، تنطوي على الكثير من الابتكار المالي.
ومن منظور الاستثمار الأجنبي غير المباشر، الذي يتطلب استدراجه لمنظومةٍ من الممكنات، كانت مبادرة مستقبل الاستثمار أداة فعالة في جعل السعودية وجهة رئيسية ضمن الاقتصادات الناشئة، فقد بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 47 مليار ريال في النصف الأول من العام 2025، و 80 مليار ريال في العام 2024، فيما كان صافي تدفقاته 4 مليار ريال في العام 2017 وفقاً للإحصاءات الرسمية.
وتبين الشواهد أن المبادرة ساهمت بكفاءة في إبراز السعودية كقائدة لاستقطاب الاستثمارات والمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وعالمياً، مع ارتفاع التدفقات كنسبة من الناتج المحلي، فضلاً عن نشاط السعودية كمستثمر في الاقتصادات العالمية بقيادة محفظة صندوق الاستثمارات العامة التي تشمل صندوق رؤية سوفت والشراكة مع بلاكستون في البنية التحتية وأوبر ولوسيد ولايف للجولف على سبيل المثال لا الحصر، وذلك فضلاً عن الاستحواذات في مجال الألعاب الإلكترونية والرقائق والذكاء الاصطناعي.
ولا بد هنا من بيان أن التوجه الاستراتيجي للاستثمار الذي تتبعه المملكة متعدد المسارات، ولا يتسع المجال لمزيد إطالة، لكن تستوجب الإشارة إلى أنه توجهٌ تضبط إيقاعه الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تهدف إلى زيادة الضخ الاستثماري من 657 مليار ريال في العام 2019 إلى 2 ترليون في العام 2030، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر من 17 مليار ريال في العام 2019 إلى 388 مليار في العام 2030، لتحقق ضخاً استثمارياً في الاقتصاد الوطني قوامه 12.4 ترليون ريال حتى العام 2030. وما تحقق منذ العام 2019 حتى منتصف العام الحالي (2025) هو استقطاب 7.3 ترليون ريال (59 بالمائة من المستهدف).
نعود إلى مبادرة مستقبل الاستثمار، لبيان أن التأثير لم يأتِ تحديداً من فعالية واحدة (المؤتمر) بل من عمل مؤسسي قام عليه معهد مبادرة مستقبل الاستثمار (مؤسسة غير ربحية)، الذي يعمل عالميًا وفي مساراتٍ متعددة، كممكن لتكامل الجهود بين الأكاديميين وصناع السياسات والأعمال والمجتمعات، مستخدماً البيانات لتحديد التحديات، ممولاً الشركات الناشئة ذات التأثير، ومستضيفاً منصات لتحويل الأفكار الخلاقة إلى حلول عملية، بهدف معالجة التحديات العالمية البارزة من خلال الابتكار الجماعي.













