آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

قراءة في قصة الأديبة سوزان عبد الرزاق الحمود «هتاف بلا إيقاع»

عبد الفتاح الدبيس

توطئة

من نافلة القول، معرفة أن مشوار كتابة القصة، بدأ في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ثم مرَّت بمراحل تطور وازدهار مع مرور الوقت، حتى أصبحت الآن أحد فنون الأدب المؤثر، حيث أنها انتقلت من مرحلة سرد الأساطير والحكايا إلى كتابة محتوى هادف ومؤثر، وفق معايير تسرُد من خلالها مجموعة من الأحداث اليومية التي تلامس واقع كل مجتمع من المجتمعات.

الهدف الرئيس

طبيعة كل حدث في حياة الإنسان أن يعكس هدفاً عقلائياً لم يروى، والقصة تمثل أحد تلك الأحداث، والهدف الرئيس منها نقل القارئ والمثقف على وجه الخصوص إلى فضاءات جديدة تحفِّز خياله، وتثير في داخله كتلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية الإيجابية.

وهذا يستلزم، وجود معايير مدروسة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند كتابة كل قصة جيدة ومؤثرة، من ضمن هذه المعايير، أن تتميز القصة بخصائص وأهمية وأدوات.

دعونا نتطرق إلى كل خاصية وأهميتها وأداتها، فخاصية ”الإيجاز“، أهميتها تنبع من سهولة قراءة سطور القصة واستيعابها لدى القارئ، وتكمن أداتها في اختيار كلمات القصة من حيث الدِقَّة والتأثير، أما ”عمق شخصيات القصة“، فأهميتها تأتي من خلال بناء تجارب مُعبِّرة للقارئ، وهذه تتحقق في تطوير أنموذج كل شخصية من شخوص القصة ومدى قدرة إقناعها، ثم يأتي ”تسلسلُ أحداث القصة“، التي تكتسب أهميتها في حتمية توفر الصراع المُشَّوق داخل سطور هذه القصة، وهذا التسلسل يتطلب الدِقّة في تنظيم سردها بهدف تعزيز حَبكَتِها.

خالد مهندس يدير شركته يعيش في شقة بمنزل والده، يتعرف على مروج الطالبة الجامعية الجميلة، يخطبها من أهلها، وبعد شهور تم الزواج، وعاشا الزوجان في سعادة بالغة.

بعد عدة أشهر من الزواج، يبدأ الصراع همساً وفي الخفاء بين شقيقتي خالد ومروج، التي تفوقهن جمالاً وتصغُرُهُنَّ عُمراً، جرَّاء الغيرة والحسد، الهمسات الساخرة بحق مروج تتزايد، خصوصاً في ظل غياب خالد عن المنزل؛ مروج تخبره بتلك المضايقات، ولكن خالد يقابلها بتجاهل وتغافل وبرود في ردوده.

نفسية مروج تبدأ تتدهور وينعكس ذلك على مستواها الدراسي، هنا تلجأ إلى والدتها تبث شكواها، ولكن والدتها تنصحها بأن الحياة الزوجية، لا تُبنى’ على التذمُر والشكوى، وعليها بالصبر والتودُد لأخوات خالد، وهنا تشعر مروج بانكسار نفسي عميق.

مع تزايد قسوة زوجها خالد الذي لم يُعِر اهتماماً لمشاعرها، مروج تتجنب الحديث مع زوجها لأنه يقابلها بالصراخ والتغافل، تحولت مروج إلى شخصية خجولة مرتبكة.

تبدأ مروج تبحث عن الفرص للهروب من واقعها من خلال الدراسة أو الخروج مع صديقاتها، ولكنها سرعان ما تعود إلى نفس الجحيم وتتزايد حالة التوتر المستمر لديها.

تكرر مروج بث تذمُرِها وشكواها الأليمة لوالدتها وصديقاتها، ولكنها تُقابَل بالخذلان والصمت المُطبِق.

تقرر مروج التحدث عن حالتها النفسية المتدهورة مع خالد بكل وضوح، ولكنه يقابل ذلك كعادته بالصمت واللامبالاة وعدم الاهتمام، بعدها تحسم مروج أمرها بالتحدث مع والدها بقرار الانفصال عن خالد، ولكنه يخبرها بخشيته من العار الاجتماعي المترتب على الطلاق، ويعيدها إلى زوجها ونصحها بأن تجتهد في إصلاح بيتها؛ تكتشف مروج أنها حامل، وبدلاً بأن يُبَلسِمَ هذا الخبر جُراحَها، تتزايد عليها الضغوط والعراك، من والدة خالد وبناتها.

تتفاقم الضغوط النفسية على مروج وتتعب تعباً شديداً، لتدخل المستشفى وتكتشف بإصابتها بِتَليُف في رئتيها جرَّاء التوتر الشديد وكتم المشاعر والأحزان.

ينقلب خالد على مروج بعد معرفته بمرضها، ويشعرها بأنها تمثل عِبئاً عليه في حياته.

هنا تأتي اللحظة الحاسمة من مروج وتعلن صرختها المُدَويَّة، وتذكره بالأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، ولكن خالد يبقى صامتاً.

يصبح خالد أكثر حِديَّةً في طباعه ويبدأ في ضرب مروج ونتيجة للانفعالات الشديدة، والضرب، والمرض، يسقُطُ جنينها، تبقى مروج بضعة أشهر، وتنتقل روحها لبارئها.

تنتهي قصة مروج المأساوية الحزينة بانهيار والدتها، عندما قرأت رسالة ابنتها في أحد كتبها في غرفتها القديمة، التي تعبر فيها عن مدى قسوة حياتها، وعيشتها المُرَّة البالغة الحزن، حيث يبدأ إيقاع موتها البطيء، وتشكو فيها عزاؤها الوحيد لله الملك العدل، الذي سيأخذ بحقها إن عاجلاً أو آجلا.

بعد مرور بضعة شهور، تبدأ شركة خالد بالانهيار، جراء مشاكل مالية ضخمة، وبسبب إهماله المتزايد ومتابعة أعماله، يصبح خالد في النهاية، بدون عمل وبلا زوجة وبدون سمعة، ويعيش في وسط منزل يملأهُ الشجار وتبادل الاتهامات، حيث تدهورت حالته النفسية، ويبدأ يتذكر كل مواقفه السلبية وتسلطه الشديد على زوجته مروج التي فارقت الحياة، لتنتهي بهذا فصول هذه القصة الحزينة المؤلمة.

إطلالة على جماليات القصة

أبدعت الأديبة «سوزان الحمود» في اختيار عنوان قصتها، حيث عكس فكرتها الأساس وتماهى مع حبكتها وشخوصها، وأثار فضول قرائها، أحسنت الكاتبة في بناء تراتبية واضحة لبنية القصة، عندما افتتحتها ”بمقدمة“ شيَّقة، بهدف تحفيز فضول القارئ وجذبه للمتابعة، وأجادت بتقديم ”عرض“ واضح متماسك، ونجحت في إبراز ”خاتمة“ تراجيدية منطقية لأحداثها.

وظَّفَت «الحمود» بحرفية بالغة ”شخوص القصة“، بدءًا من الزوج ووالديه وشقيقتيه والزوجة ووالديها وصديقاتها، وأبدعت من خلال حسن اختيارها لأدوارهم الفاعلة والمؤثرة حيث جعلتهم يسكنون بين السطور بتمكن فائق.

أما ”حبكة القصة“ فهي بيت القصيد، أعتقد أن الكاتبة تألقت فيها بامتياز، من خلال مستوى الصراع الذي بلغ ذروته، الذي قاد القصة ومنحها قلباً نابضاً متنقلاً بين أجزائها عبر جسور متينة البنيان متماسكة.

جودة محتوى القصة، يكمن في السرد المُرَكَّز، والوصف الجيد في المفردات والجمل، والحوارات الواقعية، والتركيب اللغوي السهل الممتنع، والتركيز على ”الفكرة الواحدة“ الأساس للقصة، مع مراعاة ”الظرف الزمكاني“، وإتقان توظيف أدوار الشخصيات كعامل حِواريٍ مهم، وتوزيع مدروس بعناية لعناصر ”التشويق“ في القصة، جعل القارئ مشدوداً ومتحفزاً لإكمال قراءتها حتى النهاية.

اللفتة الأدبية الرائعة في قصة الأديبة «الحمود»، بأن ضمَّنتها رأيها قبل خاتمتها، وقالت بأن قصتها، حملت: دروساً وعِبَر - مثًّلت صرخةً مُدَويَّة كسرت فيه جدار الصمت العائلي - وثَّقَت فاجعةً اجتماعية - إماطة اللثام عن نظرة المجتمع الغريبة لمفهوم ”الطلاق“ وأكدت على مبدأ كرامة الإنسان ووعيه وعزته وسلامته.

لا شك أن هذه القصة الجميلة والحزينة في آن واحد، تركت بصمةً خاصةً ومؤثرةً في فضاء عالم الأدب.

نشد على أيدي الأديبة «الحمود»، ونشيد بدورها الفاعل في تسليط الضوء على إحدى المشاكل المهمة التي تعاني منها المجتمعات منذ القدم حتى وقتنا الحاضر.