الهوية المدنية.. طريق الخروج من عباءة المظلومية
الشعور بالمظلومية ليس فقط انعكاسا نفسانيا لتجارب قهرٍ أو تهميش يمر بها أفرادٌ أو مجاميع بشرية، بل هو في كثير من الأحيان منظومة ذهنية تُغذى بخطابات دينية أو عرقية أو جندرية، تُعيد إنتاج الاضطهاد بوصفه ”هوية“ لا كحالة طارئة، تزول بذهاب مسبباتها؛ ما يعني أن هناك سياقاً عاماً تتم تغذيته، وأحياناً بطريقة مقصودة لأهداف محددة، ما يدفع نحو الانكفاء والشعور بالقلق والتوجس، وهو إحساس قد يتضخم إلى حد الاعتقاد بـ ”الخطر الوجودي“، ما يجعل هذه الجماعات تدخل في انكفاء مرضي!
حين تعرفُ الهويات نفسها من خلال الألم الدائم والمأساة المستمرة، فإنها تقع في فخ الارتياب، وتفقد القدرة على التفاعل الإيجابي مع المحيط، وتصبح عاجزة عن مواكبة التطورات، لأنها حبيسة ”الألم السمردي“، وكأنها موشومة! خطورة هذا الشعور تكمن في تحولهِ إلى نمط تفكير جماعي، جاعلاً من التاريخ ساحة صراع مفتوح، عوض أن يكون مصدراً للتعلم والتجاوز وتراكم الخبرات، ما يعني اتساع الفجوة بين مكونات المجتمع، وضعف الانتماء الوطني أمام هويات فرعية منغلقة.
الخروج من هذه الأزمة يتطلب مسارين متوازيين: ثقافي ومؤسسي، من جهة، يجب تعزيز الوعي العام والاستقلالية في التفكير، كما ثقافة التعدد والانفتاح من خلال التعليم والإعلام والخطاب الديني المتوازن، بحيث يُربى الفرد على احترام الاختلاف دون أن يشعر بالتهديد من التنوع.
أما على المستوى المؤسسي، فإن الحل يكمن في ترسيخ ”الهوية الوطنية المدنية“ التي تقوم على المواطنة المتساوية والعدالة وسيادة القانون، دون تمييز على أساس العرق أو الطائفة أو الجنس، والتي تتكامل معها بقية الهويات الفرعية التي لها الحق في التعبير عن ذاتها، بعيداً عن الانكفاء السلبي.
إن تفكيك سرديات المظلومية لا يعني إنكار الظلم الذي قد يكون وقع في أزمانٍ مضت، بل تجاوزه نحو أفق العدالة والمشاركة والتشافي التام. وعليه فمن المُلح التفكير في الحلول العملانية لهذه المشكلة الاجتماعية، وليس مجرد نقدها أو هجائها، لأنها موجودة بنسب مختلفة لدى أوساط عدة: دينية، عرقية، جندرية، قبلية، وحتى رياضية.













