آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

النوادر الياسرية «7»: طنّش تعش

ياسر بوصالح

قال له ساخرًا:

أما شبعت من رؤية وجهك؟ صورك تملأ كل زاوية—في خلفية جوالك، وغلافه، وجيب محفظتك، وبروفايل الواتساب، وحتى جدران منزلك!

صورة على فيل في الهند، وأخرى على ظهر جمل أمام الأهرامات، ولعلّ ثالثة في بطن تمساح!

أما أنا، فلم أرَ وجهي منذ السادسة صباحًا، حين كنت أفرّش أسناني.

فأجابه بهدوء:

وما شأنك بذلك؟ لكل إنسانٍ أسلوبه في الحياة أنا أعشق رؤية صوري، فهي تبعث في نفسي شعورًا بالعنفوان، وتمنحني إحساسًا دائمًا بالحضور.

فرد عليه:

أنا صديقك ومرآتك، ومن حقّ الصداقة عليّ أن أذكّرك بعيوب قد تقودك إلى النرجسية.

ألم تقرأ في دعاء مكارم الأخلاق:

«اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلَّا أَصْلَحْتَهَا، وَلَا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلَّا حَسَّنْتَهَا»؟

فرد عليه قائلًا:

وأنت، ألم تقرأ في الدعاء نفسه:

«وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَدًا عَنْهُ»؟

أو قول الإمام عليّ :

«مَن نَظَرَ في عَيْبِ نَفْسِهِ اشتغَلَ عَنْ عَيْبِ غيرِهِ»؟

ليت شعري، متى تُصلِح فضولك؟

هذا الحوار يتكرر في حياتنا اليومية بأشكال مختلفة:

• فهناك النرجسي، الذي لا يدرك نرجسيته.

• وهناك الفضولي، الذي لو استطاع أن ينصب كاميرا في غرف نوم الناس، لما تردّد.

• وهناك من يسخّر النصوص الدينية لخدمة مصالحه، ثم يتنصّل من روحها عند التطبيق.

• وهناك من يجهل آداب الصداقة، فلا يميّز بين النصح والتطفل.

• وهناك من جِدّه هزل، وهزله فُحش.

• وهناك من هو عبوسٌ قمطرير، لا يعرف للوجه تبسمًا، ويصدق عليه قول الحطيئة:

أَرى لِيَ وَجهاً شَوَّهَ اللَهُ خَلقَهُ
فَقُبِّحَ مِن وَجهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه

وهناك... وهناك...

فهل يُقال للمخطئ: ”أنت مخطئ“ مباشرة، كي لا يتمادى،: ”فَيُخبَز خُبزُ العبّاس“، كما يقول العراقيون أو على قاعدة عمرو بن كلثوم:

لنا الدنيا ومن أضحى عليها... ونبطش حين نبطشُ قادرينا؟

أم أن التغافل هو الأليق، كما أوصى أئمتنا، حين قال الإمام عليّ :

«ولا تداقّوا الناسَ وزنًا بوزن، وعظّموا أقداركم بالتغافل عن الدنيّ من الأمور»؟

أو على قاعدة الشاعر التونسي عليّ الصافقصي:

”لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمته حجرًا... لأصبح الصخرُ مثقالًا بدينار“؟

أنت، ما رأيك عزيزي القارئ؟

فضلًا... اكتب لي في خاصية التعليقات.