آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

ولا يهون النفط «11»: توظيف الذكاء الاصطناعي سعودياً - بين سرعة الصاروخ وسرعة ”على الراحة“!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

هل السعودية جاهزة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟ تحتل المملكة المرتبة الأولى بين أفضل 20 استثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، مع المرتبة الخامسة في الشرق الأوسط لبراءات الذكاء الاصطناعي، مسجلةً أكثر من 1,000 براءة اختراع تم تقديمها منذ عام 2020، فيما تحتل المرتبة 31 في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي العالمي، قافزةً 44 مرتبة في عام 2023.

تعول رؤية 2030 على توظيف الذكاء الاصطناعي لتوفير منظومة دعم للأنشطة الحياتية كافة، ولتحقيق ذلك تعددت المبادرات والجهود، وتأسيساً لذلك أطلق سمو ولي العهد الاستراتيجية الوطنية للذكاء الذكاء الاصطناعي «NAIS» في العام 2020 بقيادة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، وحددت الاستراتيجية تطلعات السعودية بأن تصبح مركزا عالميا للذكاء الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، باستثمارات تتجاوز 75 مليار ريال، بركائز رئيسة: تنمية المواهب، وحوكمة البيانات، وأطر الذكاء الاصطناعي الأخلاقية. في عام 2025، أعلنت سدايا عن تقدم في إنشاء مراكز التميز في الذكاء الاصطناعي والشراكات مع شركات التقنية العالمية مثل جوجل وهواوي. وفيما يتصل بتشييد بيئة دعم متكاملة «ecosystem»، فتشرف الهيئة على العديد من البرامج، بما في ذلك المركز الوطني الذكاء الاصطناعي «NCAI»، الذي يركز على الأبحاث والتطبيقات في مجال الرعاية الصحية والطاقة والمدن الذكية.

تعزز مبادرة ”الذكاء الاصطناعي من أجل الخير“ الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، بينما تم توسيع تطبيق توكلنا «مع ميزات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للخدمات العامة» من أجل الحوكمة الذكية. في عام 2025، أطلقت سدايا مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي 2.0، مع التركيز على الشفافية والتخفيف من التحيز. وفي مجال تطوير الكفاءات، تهدف مبادرات مثل أكاديمية سدايا والشراكات مع الجامعات «على سبيل المثال، مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي التابع لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» إلى بناء قوة عاملة ماهرة، فعلى سبيل المثال تم تدريب أكثر من 5,000 سعودي على الذكاء الاصطناعي بالتعاون الدولي مع معهد ماساتشوستس للتقنية وجامعة ستانفورد.

ومن ناحية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، فقد خصص صندوق الاستثمارات العامة صندوقاً بقيمة 150 مليار ريال سعودي لشركات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، لدعم الشركات الناشئة من خلال برامج مثل البرنامج الوطني لتطوير التكنولوجيا «NTDP». وفي بداية هذا العام «2025» أسس الصندوق شركة هيومين، كشركة تابعة مملوكة بالكامل، محققاً بذلك دفعة كبيرة لتفعيل استراتيجية الذكاء الاصطناعي في السعودية في رؤية 2030، حيث تهدف الشركة لبناء سلسلة قيمة شاملة للذكاء الذكاء الاصطناعي، بدأً من البنية التحتية حتى التطبيقات وما بينهما، بما يساهم في وضع السعودية في موقع رائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفيما يتصل بالقطاع الخاص، فهو يتبع مبادرات الحكومة من حيث التنظيمات والأطر العامة، ويستظل بجهود ومبادرات الشركات الكبيرة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وتبرز هنا أمثلة مثل: «1» مشاريع الذكاء الاصطناعي لشركة الاتصالات السعودية: استثمرت شركة الاتصالات السعودية في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي للاتصالات مثل الصيانة التنبؤية وروبوتات خدمة العملاء. في عام 2025، أطلقت إس تي سي مختبر ابتكار الذكاء الاصطناعي مع شركة هواوي. «2» استخدام أرامكو الذكاء الاصطناعي للتنقيب عن النفط «مثل التحليلات التنبؤية» وكانت الشركة قد أطلقت أرامكو الرقمية في العام 2024، مستثمرةً 7.5 مليار ريال سعودي في الذكاء الاصطناعي لكفاءة الطاقة، كما أن شركة سابك توظف الذكاء الاصطناعي لتحسين سلسلة الإمداد. فضلاً عن تمويل الشركة السعودية لرأس المال الجريء «SVC» أكثر من 40 شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وعند النظر في مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد السعودي يمكن القول إنه ما برح في بداياتهِ، فيما عدا قطاع النفط والغاز، حيث تستخدمه أرامكو لتحسين الحفر والصيانة التنبؤية، ما يقلل التكاليف وبرفع الكفاءة الإنتاجية. كما أن هناك استخدامات ملحوظة في قطاع الرعاية الصحية في التشخيص والطب الاتصالي، وفي القطاع المصرفي لكشف الاحتيال وفي تطبيقات الدردشة لخدمة العملاء. لكن توظيف الذكاء الاصطناعي لم يزل منخفضاً في مناحي مهمة مثل التعليم وتجارة التجزئة.

وبالتأكيد ما زالت الطريق طويلة أمام القطاع الخاص بسوادهِ الأعظم للاستفادة من معطيات الذكاء الاصطناعي استفادة تتسق بأفضل الممارسات في العالم، حرصاً على تعظيم الإنتاجية وبالتالي التنافسية، فالعالم في سباق محموم، وعلى الاقتصاد السعودي أن يفوز به من خلال تحقيق مرتبة متقدمة. مما يبرر إطلاق مجلس الغرف السعودية استراتيجية للذكاء الاصطناعي تشارك في صياغة توجهها ومبادراتها الغرف المنضوية تحت مظلة المجلس، وتتعاون لتحقيق ذلك مع الجهات الحكومية المنظمة والممكنة، حيث توفر استراتيجية الغرف السعودية للذكاء الاصطناعي في حال إنجازها تسريعاً لتبني منشآت القطاع الخاص للتحول الرقمي وللذكاء الاصطناعي وسيساعد ذلك في ربط المبادرات والتطلعات الحكومية باحتياجات القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار عبر الحد من المخاطر وتعزيز فرص التكامل. إذ لا يستقيم أن تنطلق الجهات والشركات الحكومية بسرعة وتحرق فيما منشآت القطاع الخاص تنخرط في التحول للذكاء الاصطناعي بسرعة ”على الراحة“.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى