خبير نفسي: تحصين المجتمع بـ ”الإسعافات الأولية النفسية“ ضرورة لمواجهة الأزمات
- كورونا كشفت صلابتنا.. والآن حان وقت البناء للمستقبل
- جهل ”المُسعِف“ النفسي أخطر من الصدمة
- نحتاج إلى مجتمع مُدرَّب على الإنصات لا التلقين
- حصانة المجتمع تبدأ من صحته النفسية
- كلنا مضطربون بدرجات متفاوتة والوعي هو طوق النجاة
أكد الأخصائي النفسي محمد الغامدي، أن امتلاك أفراد المجتمع لمهارات ”الإسعافات الأولية النفسية“ لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة حتمية لبناء مجتمع صلب وقادر على مواجهة الأزمات والكوارث بوعي وفعالية.
وشدد على أن التدخل الأولي الصحيح، مهما كان بسيطًا، يمكن أن يمنع تفاقم الصدمات النفسية ويحول دون تحولها إلى اضطرابات طويلة الأمد قد تدمر حياة الأفراد.
جاء ذلك في سياق حديثه بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، لبودكاست أصدقاء تعزيز الصحة النفسية بالقطيف تحت عنوان ”الخدمات النفسية في الكوارث والأزمات“.
أوضح الغامدي أن الصحة النفسية لا تعني الخلو التام من المشاعر السلبية كالحزن أو القلق، بل هي حالة نسبية وقدرة ديناميكية على التكيف مع ضغوط الحياة ومتطلباتها.
وأشار إلى أن جميع البشر يمرون بلحظات من عدم الاستقرار النفسي، لكن الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة هو من يستطيع إدارة هذه التحديات وأداء مهامه الحياتية بسلام واستقرار.
وشبّه الغامدي التدخل النفسي الأولي بالإسعافات الأولية الجسدية في حوادث السير، حيث إن تقديم المساعدة بشكل خاطئ، حتى لو كان بحسن نية، قد يؤدي إلى تفاقم الإصابة والتسبب في ضرر دائم.
وروى تجربة شخصية مع مصاب في حادث سير، حيث منعه من تحريكه بشكل عشوائي من قبل المتجمهرين، وهو ما أنقذه لاحقًا من شلل محتمل بعد أن تبين وجود إصابة في عموده الفقري.
وأكد أن التدخل النفسي غير المدروس قد يكون له نفس الأثر المدمر على نفسية الشخص المصدوم.
وعن كيفية تقديم هذا الدعم، لخص الغامدي الخطوات الأساسية في عدة محاور تبدأ بالملاحظة الهادئة وتقييم الموقف لضمان سلامة الجميع، تليها مرحلة الإنصات الفعّال للشخص المتأثر دون مقاطعته أو إطلاق الأحكام عليه، حتى لو تعارض كلامه مع قيمنا، فالتعبير عن المشاعر في هذه اللحظات هو جزء من التنفيس العلاجي.
ثم تأتي خطوة تقديم الدعم والاحتواء بعبارات بسيطة ومطمئنة، مع تقييم الحاجة لإحالة الحالة إلى جهات متخصصة إذا ظهرت علامات خطيرة كالأفكار الانتحارية أو الهلاوس.
واستعرض الغامدي النموذج الهرمي العالمي للتدخل في الكوارث، الذي يبدأ بتأمين الاحتياجات الأساسية لجميع المتضررين كالمأكل والمشرب، ثم ينتقل لتوفير الدعم الاجتماعي عبر لم شمل الأسر والأقارب، وبعدها يأتي دور الدعم النفسي غير المتخصص، وصولًا إلى قمة الهرم حيث الخدمات النفسية المتخصصة للحالات الشديدة.
وأوضح أن هذا التدرج يضمن ترشيد الجهود وتقديم الخدمة المناسبة لمن يحتاجها.
وأشاد الغامدي بالنموذج السعودي في إدارة أزمة جائحة كورونا، معتبرًا إياه تجربة عالمية رائدة أثبتت كيف يمكن للتكاتف بين القيادة والجهات المختلفة والمجتمع أن يقود البلاد إلى بر الأمان.
وسلط الضوء على الدور المحوري للتحول الرقمي من خلال تطبيقات مثل ”توكلنا“ و”صحتي“، وخدمة الاستشارات النفسية عبر الرقم 937، التي سهّلت الوصول إلى الدعم في أصعب الظروف.
وشدد على أهمية الإجراءات الوقائية التي تسبق الأزمات، داعيًا إلى تكثيف برامج التوعية المجتمعية، وتنمية المهارات الحياتية والمرونة النفسية لدى النشء، وتقوية اللحمة الوطنية والانتماء، وتشجيع العمل التطوعي.
وحذر من أن إهمال الدعم النفسي الصحيح قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مستشهدًا بحالة طفل أصيب بـ ”الصمت الاختياري“ لسنوات بعد أن شهد حادث وفاة والدته، نتيجة غياب الاحتواء النفسي المناسب في حينه.
?si=4KJ9fs2feOBgOsVu













