آخر تحديث: 6 / 12 / 2025م - 12:19 ص

خبير نفسي: الاحتراق الوظيفي أزمة مؤسسية وليس فشلاً شخصياً

جهات الإخبارية

كشف المختص النفسي هادي الدخيل أن ظاهرة الاحتراق الوظيفي قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكداً أن أحدث الدراسات تشير إلى أن ما يقارب اثنين من كل ثلاثة موظفين حول العالم، أي بنسبة 66%، قد يعانون من أعراضها، وهو أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق.

وأوضح الدخيل، خلال حديثه في بودكاست ”نحو الداخل“ التي اطلقته سينما قروب، أن المنطقة العربية والخليج ليست بعيدة عن هذه الأزمة، حيث يعاني ثلاثة من كل عشرة موظفين في الخليج من هذه الظاهرة، بينما ترتفع النسبة في القطاع الصحي بالشرق الأوسط لتتراوح بين 40% و 60%.

وفي هذا السياق، استعرض الدخيل نتائج دراسة محلية أجريت في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، والتي وجدت أن 67% من العاملين في القطاع الصحي قد يعانون من إنهاك مستمر، وأن 60% منهم قد يشعرون بتبلد ذهني أو انفصال عن العمل.

وشدد على أن هذه الأرقام لا تهدف لإثارة القلق، بل لتوضيح أن ما يمر به الكثيرون ليس شعوراً فردياً، بل هو ظاهرة عالمية واسعة الانتشار.

متلازمة معترف بها وليست مجرد إرهاق

وعرّف الدخيل الاحتراق الوظيفي، استناداً إلى منظمة الصحة العالمية، بأنه ليس مجرد تعب عابر، بل متلازمة نفسية مهنية تنشأ عن ضغوط عمل مزمنة لم تتم إدارتها بفاعلية.

وقال إن هذه المتلازمة تتجلى في ثلاثة أبعاد رئيسية: أولها الإنهاك الجسدي والعاطفي المستمر الذي لا يزول حتى بعد الراحة أو الإجازات، وثانيها التبلد والانفصال الذهني عن العمل وفقدان الشغف، وثالثها انخفاض حاد في الشعور بالإنجاز والكفاءة.

وميّز الخبير النفسي بوضوح بين الاحتراق الوظيفي والاكتئاب؛ فالاحتراق يرتبط بشكل أساسي ببيئة العمل، لكنه حذّر من أن إهماله قد يقود فعلاً إلى الإصابة بالاكتئاب.

وأشار إلى أن الأعراض الشائعة تشمل التعب المزمن، صعوبة التركيز، التغيرات المزاجية الحادة، بالإضافة إلى آلام جسدية كالصداع المتكرر واضطرابات النوم.

ميزان مختل بين المطالب والموارد

وأوضح الدخيل أن الاحتراق الوظيفي ينشأ نتيجة اختلال التوازن بين ”مطالب“ الوظيفة و”مواردها“. ففي حين تمثل كثرة المهام وضغط الوقت كفة المطالب، يجب أن توازنها كفة الموارد التي تشمل الاستقلالية في القرار، الدعم من الإدارة، التقدير، والعدالة.

وأكد أنه عندما تفوق المطالب الموارد بشكل مستمر، يبدأ الميزان في الاختلال، مما يقود الموظف تدريجياً نحو الانطفاء.

وكشف الدخيل عن ستة مجالات رئيسية في بيئة العمل إذا حدث فيها خلل، فإنها تسرّع من وتيرة الاحتراق، وهي: عبء العمل المفرط، غياب التحكم والاستقلالية، نقص المكافآت والتقدير، العلاقات السامة في العمل، انعدام العدالة والشفافية، وتعارض قيم الموظف الشخصية مع قيم المؤسسة.

مسؤولية مشتركة بين الفرد والمؤسسة

وأكد الدخيل أن مواجهة الاحتراق الوظيفي تتطلب تحركاً على مستويين: فردي ومؤسسي. على الصعيد الفردي، قال إن أولى خطوات العلاج تبدأ بالوعي المبكر بالأعراض، ثم الانتقال إلى إدارة الطاقة عبر النوم الكافي والنشاط البدني.

وشدد على أهمية ”الانفصال النفسي“ عن العمل بعد انتهاء الدوام، وممارسة تقنيات اليقظة الذهنية، ووضع حدود واضحة من خلال تعلم قول ”لا“.

وعلى الصعيد المؤسسي، أشار إلى أن الشركات تتحمل مسؤولية كبيرة في خلق بيئة عمل صحية، ويشمل ذلك التوزيع العادل للمهام، وضوح الأدوار، بناء ثقافة تقدير حقيقية، وتعزيز العدالة والمرونة.

وأكد على أن الاستثمار في الصحة النفسية للموظفين لم يعد رفاهية، بل ضرورة لحماية أثمن موارد أي مؤسسة ناجحة.

?si=XA6LXTS-4DESg1g8