آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

تربية الأبناء بين الترغيب والترهيب

محمد يوسف آل مال الله *

تربية الأبناء من أعظم المسؤوليات التي يتحملها الوالدان والمربّون، وهي أمانة شرعية وأخلاقية. ومن أهم الأساليب التربوية التي تناولها الإسلام وأثبتها علم النفس التربوي: أسلوب الترغيب والترهيب، الذي يجمع بين التشجيع والتحفيز من جهة، والتحذير والردع من جهة أخرى، في توازن يحقق بناء شخصية متوازنة وقوية.

لذا تعتبر تربية الأبناء بين الترغيب والترهيب من أهم أساليب التربية الإسلامية والإنسانية عمومًا، لأنّه يتصل بأسلوب التوجيه والتقويم في شخصية الطفل، ذلك أنّ مفهوم التربية يختلف باختلاف زاوية النظر «نفسية، اجتماعية، دينية»، لكن يجمعها هدف واحد هو تنمية الإنسان وتهذيب سلوكه وبناؤه المتكامل ويتضح ذلك في ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: التربية في علم النفس

التربية عملية مخططة وهادفة تهدف إلى تنمية شخصية الفرد من جميع جوانبها: العقلية، الانفعالية، والسلوكية وتقوم على مراعاة الفروق الفردية والقدرات النفسية لكل طفل، كما تركّز على أساليب التعلّم، الدافعية، تعديل السلوك، والإرشاد النفسي. لذا تُعرّف التربية على أنّها تنمية القدرات والمهارات العقلية والنفسية للفرد، بما يحقق التكيّف الإيجابي مع الذات والبيئة.

الجانب الثاني: التربية في علم الاجتماع

التربية وسيلة لنقل الثقافة والقيم والمعايير الاجتماعية من جيل إلى جيل، بما يضمن الاندماج الاجتماعي وبناء شخصية قادرة على التفاعل مع الآخرين وتهدف إلى تكوين هوية اجتماعية والانتماء للمجتمع، فالتربية في علم الاجتماع هي عمليةاجتماعية منظمة تهدف إلى إدماج الفرد في مجتمعه، من خلال غرس القيم والعادات والتقاليد التي تحافظ على استمراريةالثقافة.

الجانب الثالث: التربية في الدين الإسلامي

التربية في الدين الإسلامي أشمل من البعدين النفسي والاجتماعي، فهي تهتم بتنمية الإنسان جسدًا وعقلًا وروحًا، تقوم على أسس العقيدة، العبادة، الأخلاق، والمعاملة وهدفها الأسمى هو بناء الإنسان المسلم الصالح المستخلف في الأرض. فالتربيةهي تنمية الإنسان وفق منهج الله سبحانه وتعالى، بتزكية النفس وتعليم العلم النافع، وإعداد الفرد ليكون عبدًا لله صالحًا، نافعًا لنفسه ومجتمعه.

وبمقارنة موجزة نصل إلى أنّ علم النفس ينظر إلى التربية من زاوية الفرد وطاقاته النفسية وعلم الاجتماع ينظر إليها من زاوية المجتمع ونقل الثقافة والقيم. أمّا الإسلام فهو يجمع بين الفرد والمجتمع، ويضيف البعد الإيماني والأخلاقي، لتكتمل شخصية الإنسان.

بعد أن عرفنا معنى التربية في المناظير الثلاثة نحتاج إلى معرفة الأسلوبين المتبعين للتربية؛ الترغيب والترهيب والضوابط المتبعة فيهما.

معنى الترغيب والترهيب:

الترغيب هو أسلوب يقوم على التشجيع والتحفيز والثناء وإبراز المكافأة العاجلة أو الآجلة، وهو قريب من الرحمة واللين. أمّا الترهيب فهو أسلوب يعتمد على التنبيه والتحذير وبيان العواقب السلبية، وقد يصل إلى العقوبة عند الضرورة، وهو مرتبط بالعدل والجدية.

الأساس التربوي:

لا شك أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية استخدما الترغيب والترهيب معًا. قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّعَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49-50] وروي عن النبي ﷺ أنّه كان يقول للصبيان: ”يا غلام، سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك“ بأسلوب لطيف، ولكنّه أيضًا كان ينهى بشدة عن الكذب والسرقة.

مميزات الترغيب:

• يعزز الثقة بالنفس.

• يربط السلوك الحسن بالمتعة والرضا.

• يجعل الطاعة عادة محببة.

• ينمي الجانب العاطفي والعلاقة الإيجابية مع الوالدين.

الأمثلة التطبيقية على الترغيب:

• الثناء على الصدق أو الاجتهاد في الدراسة.

• مكافأة بسيطة عند الالتزام بالواجبات.

• كلمات حب وتشجيع: ”أنا فخور بك“، ”أحسنت“.

مميزات الترهيب «المعتدل»:

• يوضح الحدود الحقيقية بين الصواب والخطأ.

• يرسّخ مفهوم المسؤولية والنتائج.

• يمنع التمادي في الخطأ.

الأمثلة التطبيقية على الترهيب «المعتدل»:

• بيان خطورة الكذب أو العقوق باللهجة الجادة.

• الحرمان المؤقت من بعض الامتيازات «اللعب/الأجهزة» عند الخطأ المتكرر.

• التحذير من عواقب سلوك سيئ، مثل العادات السيئة أو صحبة السوء.

التوازن المطلوب:

الاقتصار على الترغيب وحده قد يخلق طفلًا مدللًا لا يعرف حدود الخطأ، كما أنّ الاقتصار على الترهيب وحده قد يؤدي إلى شخصية ضعيفة أو متمردة. أبناؤنا بحاجة إلى التربية المتوازنة التي تقوم على غلبة الترغيب «الحب، الرحمة، التشجيع» والترهيب عند الضرورة مع مراعاة العمر والفهم.

ضوابط مهمة للغاية:

• الترهيب لا يعني العنف الجسدي أو النفسي، بل الحزم بضوابط.

• الترغيب لا يعني المبالغة بالمكافآت المادية حتى لا يتعوّد الطفل على المصلحة فقط.

• التدرّج حيث يبدأ المربي باللين، ثم التنبيه، ثم العقوبة الخفيفة، مع شرح السبب دائمًا.

نخلص إلى أنّ التربية بين الترغيب والترهيب منهج قرآني ونبوي متوازن، يحقق الحب والاحترام، وفي الوقت ذاته يرسّخ الانضباط والالتزام. الطفل يحتاج أن يشعر بالأمان والرحمة، وأن يعرف أن للخطأ عواقب، حتى ينشأ مستقيمًا وواعيًا.