من أنا؟
في هذه الأيام، وبينما كنت أهفو إلى كتابة مقالي، والذي عنونته بـ ”من أنا؟“، بزوغ حدثين تاريخيين مهمين، وهما: ذكرى مولد سيد الخلق رسول الله محمد ? بمكة المكرمة، من أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ورحمةً إلهيةً إلى العالمين، وذكرى اليوم الوطني لبلدي الحبيب، جعله الله وطنًا آمنًا، يحفه السلام تحت ظل قيادتنا الكريمة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. نبارك للأمة الإسلامية المولد الشريف، ونبارك للقيادة الرشيدة، والشعب السعودي اليوم الوطني ال 45، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ وطننا وقيادتنا الرشيدة.
من أنا؟
لا تستعجل عزيزي القارئ؛ لتعرفني.
كي يتسنى لك معرفتي، لكي تعرفني من أنا، ومن أكون أنا… وأنت!!
جميعنا تحت مظلة مجتمعنا، والمحيطين بنا جزء لا يتجزأ من المجتمع، فالاختلافات قد تكون تكاملية.
إن من عرف نفسه، فقد عرف ربه، وما استُدِلَّ بوجود الضوء إلا بوجود الظل.
إلهي، ترددي في الآثار، يوجب بُعد المسار.
إنه في علم الإدارة الغربية يعتمد على الفرد، وفي الشرق يعتمد على المجموع، وفي الإسلام يعتمد على الفرد والمجموع.
درسنا في الممارس المتقدم على يد الدكتور صلاح بو صالح في هندسة النفس البشرية، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى? كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: الآية 64].
فالبرامج العقلية العليا، هي الاستعدادات التي خلقنا الله فيها؛ لتأدية رسالة كلٍّ منا بكل يسر وسهولة.
وهنا أفهم قوتي، والمكامن التي لدي، فإن لم أَعِها فقد أضعت استعدادي.
إن الخارطة ليست هي الواقع، وكل الخبرات التي في أذهاننا ما هي إلا صور، وأصوات، وأحاسيس.
أما الخيال فهو أهم من المعرفة.
لذا فإن أكبر مشاكلنا تأتي من ملفات مفتوحة، تعمل أربعًا وعشرين ساعة في اللاوعي.
حتى وأنت في حالة السبات، تحتاج حسمًا؛ لأن تلك الملفات المفتوحة قد تتسبب في تشكيل المرض.
وأنت إذا كنت تفعل دائمًا ما اعتدت فعله، فإنك تلاقي ما اعتدت عليه كما هو.
إذن عليك أن تغيّر الأساليب لتتغير النتيجة، فإذا لم تجد نتيجة لما تفعله، فافعل شيئًا آخر.
إن أنماط الشخصية ليست مكتسبة، بل موروثة في الشخصية نفسها.
فهنا الطفل عجينة بيدي من يقوم بتربيته، حيث يتشكل نتيجة لما يُمارس عليه.
وهذا الطرح في العموم، كلام غير صائب، وذلك لأن الطفل يأتي إلى الحياة وهو حامل جينات لا حصر لها، تساهم بشكل فعلي وكبير في تشكله. فالورقة البيضاء مكتوب عليها بالحبر السري، ولكنك لا تراه. لذا فإن المربي دوره رعاية البذرة من كل الجوانب، حتى يحصد الثمرة. فالمربي يقنن ويهذب.
وكون أن أحدًا يفكر بأن بإمكانه أن يخلق من أولاده شخصًا آخر، فهذا وهم.
وعليه فإن أنماط الشخصية هي الوسيلة التي من خلالها نتعرف على الصفات التي نستطيع تغييرها، وذلك أن معرفة السمات الشخصية لدى الإنسان، تعرفنا على الاحتياجات المطبوعة فيه.
يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش:
من أنا؟
هل أنا الفرد الحشود؟
أنا الغريب بكل ما أوتيت من لغتي، ولو أخضعت عاطفتي بحرف الضاد، تخضعني بحرف الياء عاطفتي.
وللكلمات، وهي بعيدة، أرض تجاور كوكبًا أعلى.
وللكلمات، وهي قريبة، منفًى، ولا يكفي الكتاب لكي أقول: وجدت نفسي حاضرًا ملء الغياب.
وكلما فتشت عن نفسي وجدت الآخرين،
وكلما فتشت عنهم لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة.
هل أنا الفرد الحشود؟
ومن خلال إعادة نظر، نحن نعيش وكأننا ضحايا لجيناتنا. أي قضية، فهي ”ترانزيت“، ديدنها السير لا الإقامة، وأنا لست موطنًا لإقامة الأمراض.
كل إنسان قوي، ولكنه يجهل مواطن قوته. وكلٌّ له دور في الحياة، ولكل شيء في هذا الكون لغة، متى ما عرفها الإنسان وفهمها تأثر بها وأثّر بها، ومتى جهلها ولم يفهمها، لم يتأثر بها، ولم يؤثر بها.
يقول الدكتور صلاح بو صالح: هنا لا بد من تعريف بأكبر ما يتميز به من علم. لا يوجد نمط جيد، وآخر نمط غير جيد، هناك نمط يجيد تهذيب ذاته، ويملك ذكاء عاطفي «EQ»، وآخر لا يملك.
نتعلم ”الإنيغرام“ لكي نفهم أنفسنا أكثر، وبالتالي نعرف أسباب تصرفاتنا، فنطور من أنفسنا، وبعدها نستطيع أن نفهم العملاء، ونستوعب أسباب دوافعهم وتصرفاتهم، وكالعلاج الجدلي السلوكي ”المشكلة“.
في البداية، فكر في مشكلتك، فالإحساس بها وجودًا فعليًا تشعر به، وفي الاعتقاد السيئ الذي تعتقده حيالها.
استمر أنت بالتفكير إلى أن تحدث نقلة في المشاعر، ومارس ذلك بمعدل أربع دقائق كحد أقصى.
فكر بذهنك على الشعور أو الاعتقاد الذي تريده أن يكون بدلًا عن المشكلة ذاتها.
يقول المفكر إبراهيم البليهي: تأسس علم الجهل؛ لتحرير العقل؛ لأن الأصل في العقل إنه مبرمج على الجهل. فالإنسان كائن تلقائي، لا يولد بعقل، إنما يولد بقابليات فارغة مفتوحة، تتبرمج بما هو في البيئة من أفكار، وتصورات، وعادات، وقيم، واهتمامات.
العقل يحتله الأسبق إليه، يصوغه، ويتحكم به، والأسبق إلى العقل دائمًا هو الجهل المركب.
إن الأصل في الإنسان أنه ذائب في البيئة التي ينشأ فيها.
الإنسان يتبرمج في المكان الذي نشأ فيه.
إننا نعتبر أن ما تبرمجنا به هو الحقيقة المطلقة، فالإنسان أصلًا ذائب في القطيع، ذائب في المجتمع، في منتجات البيئة من الأفكار. ومع ذلك نشحنه ليلًا ونهارًا، ونعبئه ليلًا ونهارًا بما نسميه ”الهوية“، بدلًا من أن نعلم الإنسان أن يتحرر من هذا الذوبان، وهذا الالتصاق. بل نحاول باستمرار أن نشحنه بما في البيئة من أفكار نافية للآخر.
الإنسان إذا ما تبرمج، تصبح معاييره «التبرمج في الرفض أو القبول أو الاستحسان أو الاستهجان».
فهو لا يدري أنه لا يدري، وكلما زاد جهله ازداد اقتناعًا بأن ما يعرفه هو الحق، وما يقوله الآخرون هو الباطل.
إن الإنسان يجب أن يتعلم بأن الحق لا يمكن أن يصل إليه إلا عن طريق البحث، والاستقصاء، والتحقق.













