آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

من الوعي إلى مجتمع المعرفة: رؤية نحو 2030

حسين زين الدين *

قيل: إن لكلِّ شيءٍ جوهرًا، وجوهر الإنسان عقله، وجوهر العقل وعيه في طريقة رؤيته للأشياء. وفي كتابه ميلاد الوعي يشير منصور الزغيبي إلى أن: ”مفردة الوعي تحتل قيمة تفوق كلَّ المفردات الأخرى، لأنها المدخل الرئيس إلى عوالم المصطلحات التي تشكّل حياة الإنسان. فالنقد يشكّل إحدى مفاتيحه الأساسية في النمو والتطور، فهو كالفكر، أو هو فكرٌ لا يتغذى ولا ينمو إلا بالتساؤل المستمر“، كما يرى الشاعر والناقد العربي أدونيس.

فالوعي، إذن، ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو المحرك الأساسي لكل عملية فكرية، إذ يفتح أمام الإنسان آفاقًا معرفية ورؤى جديدة، ويجعله يعيش عصره بكل تجلياته في أطر متجددة. غير أن هذا الفهم لا يتحقق إلا حين يتجاوز العقل ما هو سائد في النظام الاجتماعي، ويتحرر بذهنية متجددة واستقلالية راسخة عن ضغوط الواقع وتأثيراته. وللأسف، بدلًا من الانشغال بالعلوم والمعارف الإنسانية التي ترتقي بالوعي المجتمعي، انشغلت مجتمعاتنا بأمور سطحية وهامشية، مما زاد من التخلف الفكري والأخلاقي، واستنزف قدراتنا العقلية في قضايا لا قيمة لها. وقد أسهم الإعلام، بشعاراته المضللة والمخادعة المصمَّمة لإبعاد الأمة عن المشروع النهضوي، في تكريس هذا الواقع، فضلًا عن الخطابات المنغلقة التي تعطل فاعلية العقل بدل تنميتها.

وفي ظل هذا الواقع، أصبح من الضروري أن تدرك مجتمعاتنا جوهر مجتمع المعرفة، خاصة في زمن التطور السريع للعلوم التقنية والمعرفية، التي باتت معيارًا للقوة والتفوق في صياغة أنماط الحياة. ومن هنا تبرز الحاجة لبناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات وتجاوز المشاريع المعيقة لمسار التنمية الفكرية والمعرفية. ومجتمع المعرفة، في جوهره، هو: ”مجموعة من الناس ذوي الاهتمامات المتقاربة، الذين يسعون إلى الاستفادة من تجميع معارفهم المشتركة في المجالات التي يهتمون بها، وخلال هذه العملية يضيفون المزيد إلى تلك المعارف. وهكذا، فإن المعرفة هي الناتج العقلي المجدي لعمليات الإدراك والتعلّم والتفكير“.

ولتقوية هذا المجتمع المعرفي، يجب توفير بيئات حاضنة، ومؤسسات وسياسات داعمة لإنتاج واستحداث المعرفة، وتعزيز التواصل مع العالم مع إصلاح الذات لمنحها القدرة على أن يكون تواصلها مع الآخر فاعلًا ومثمرًا، وتأسيس مراكز ومراصد وطنية وقومية لإنتاج المعلومة والإحصاءات، وترسيخ علاقة المعرفة بالحرية وكل ما يعزز الكرامة الإنسانية ويرتقي بها.

ومع احتفالنا بالذكرى الخامسة والتسعين لتوحيد المملكة، يكتسب هذا اليوم أبعادًا وطنية خاصة، إذ يذكّرنا بعراقة وطننا وإنجازاته ورؤية قيادته الطموحة نحو المستقبل، ويدعونا جميعًا لتعزيز المعرفة والوعي بما يحقق الرقي والازدهار لوطننا الغالي. وتمثّل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 نموذجًا حيًّا للاهتمام ببناء مجتمع المعرفة، إذ عززت دور الإنسان كثروة حقيقية للمستقبل، ووضعت الاستثمار في التعليم والبحث والابتكار في مقدمة أولوياتها، وربطت التنمية بالتحول الرقمي. فالوعي والمعرفة معًا يشكّلان الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وصناعة وطن مزدهر قادر على المنافسة عالميًا.