العلامة الشيخ علي المرهون والثقافة القرآنية
في سيرة أي شخصية من الشخصيات العظيمة توجد هناك نقاط ومحطات مضيئة، ووقفات مشرقة، وممارسات عملية رائعة، تسهم في تخليد ذكراه على مدى الأيام.
ويعد الجانب القرآني أحد الجوانب المميزة في سيرة علمائنا الأعلام، فكل عالم له وقفة ولمسة مميزة مع القرآن الكريم.وهنا أود أن أذكركم ببعض المواقف التي كانت يمارسها سماحة الشيخ علي المرهون رحمه الله مع القرآن.
يعد سماحة العلامة الشيخ علي المرهون رحمه الله من بين العلماء الأعلام الذين كانت لهم علاقة مميزة مع القرآن الكريم، فمنذ حداثة سنه ارتبط بالقرآن من خلال التحاقه بالكتاتيب (المعلم)، وقد وحفظ (ختم) القرآن الكريم قبل بلوغه سن العشرين.
وبهذا فقد اختلطت وامتزجت الكلمات القرآنية بدم سماحة الشيخ وهذا مصداق لما روي عن أبي عبد الله قال: من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة، يقول يقول: يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلغ به أكرم عطائك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما أفضل من هذا، قال فيعطى الأمن بيمينه، والخلد بيساره، ثم يدخل الجنة فيقال له: إقرأ آية فاصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول: نعم، قال: ومن قرأ كثيرا وتعاهده بمشقة من شدة حفظه أعطاه الله عز وجل أجر هذا مرتين.
لعل من صلى خلف سماحته يستذكر السور التي كان سماحته يواظب على قراءتها حيث" حرص ـ الشيخ ـ على الاتيان بواحدة من السور التالية في صلاة الظهرين والعشائين، وهذه السور بحسب ترتيبها في المصحف الشريف هي: سورة الشرح، القدر، الزلزلة، التكاثر، العصر، الكوثر، الكافرون، النصر" أما في صلاة الفجر فيأتي طوال الأسبوع بواحدة من السور الآتية كما في ترتيب المصحف الشريف: الانفطار، الأعلى، الفجر، الشمس، الضحى، البينة"(1)
ومن سجل ذاكرتي في المرحلة المتوسطة، أتذكر أني كنت مع ابن عمتي وعند الانتهاء من الصلاة نسأل بعضنا عن السورة القرآنية التي قرأها الشيخ بعد سورة الفاتحة، وذلك بهدف التركيز أثناء الصلاة، وكنا نلاحظ تكرار السور السابقة.
وهذا العمل يقدم لنا فكرة مصادقة السور القرآنية، فحريٌ بالإنسان أن يتعاهد بعض السور القرآنية بتلاوتها، ويصنع له برنامجاً محدداً ففي كل يوم يقرأ سورة معينة.
ومن بين الأعمال التي كان يمارسها سماحته أثناء الإرشاد الديني في موسم الحج أنه كان يستمع لقراءة الحاج ويصحح الأخطاء، وهو بهذا العمل منطلق من منطلق المسألة الشرعية، التي تنص على أن " من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم".
وكم من الحجاج الذين استفادوا وتعلموا الكيفية الصحيحة للصلاة من خلال هذا الدرس البسيط الذي كان يقدمه لهم سماحة الشيخ رحمه الله تعالى.
في عام 1375 هـ وفق سماحة الشيخ لطباعة كتابه القيم (قصص القرآن... كتاب قصصي ديني تاريخي) وقد أعيد طباعته عام 1424 في 296 صفحة من القطع الكبير ويحوي الكتاب على 98 قصة قرآنية بأسلوب أدبي راقي.
وعند قراءة المقدمة يمكننا أن نستنتج عدة صفات كان يتمتع بها سماحة الشيخ منها:
"الهم القرآني" حيث يقول: "ولم تكن هذه الفكرة وليدة وقت يسير، بل كانت تعاود مفكرتي طيلة سنين" ص5.
"متطلعاً" حيث يقول:" وما زال الضمير متعلقاً بتحقيق هذه الأمنية حتى أطمأنت بي الدار في النجف الأشرف وهيأ الله سبحانه وتعالى أسباب المساعدة على إظهارها إلى الوجود وصحت العزيمة على التأليف والجمع"ص6.
"الفاعلية في التأليف" حيث يقول: " فبادرت لذلك مثابراً مهما أمكنت الفرصة من ساعات الليل والنهار، فتم ذلك بعون الله وحسن توفيقه في مدة شهرين كاملين"ص6.
وهنا أدعو المهتمين بالثقافة القرآنية إلى تبني هذا الكتاب كمنهج دراسي للناشئة في الدورات القرآنية، فهو ﴿أحسن القصص﴾ سورة يوسف / الآية 3.
منذ أكثر من 15 سنة وهذا العنوان يتفاعل في الوسط الاجتماعي، حيث أسست العديد من المؤسسات القرآنية، وأقيمت العديد من المؤتمرات، والندوات، والمسابقات القرآنية ، وطبعت العديد من الكتب والمجلات القرآنية، وتخرجت العديد من الطلبة ممن يحملون ثقافة قرآنية.
إن جميع هذه الفعاليات التي تقام في مجتمعنا إنما تهدف إلى: نشر وتعميق و تفعيل ثقافة القران الكريم في أوساط المجتمع، وبناء مجتمع إنساني تربوي متكامل، تسوده القيم والمفاهيم القرآنية.
ولكي نصل إلى هذا الهدف المنشود لابد من:رعاية الكفاءات المختصة والمهتمة بالشأن القرآني أساتذة ودارسين وبرامج، وكذلك رعاية البراعم والناشئة واستيعاب اهتماماتهم وطاقاتهم.