آخر تحديث: 11 / 7 / 2025م - 1:05 ص

الحسين شهيدًا

عبد الرزاق الكوي

الحديث عن سيد الشهداء الإمام الحسين وما قاله الرسول في حقه وحق أخيه في موارد كثيرة، وما نزل فيهم من أحاديث شريفة تُظهر حبّ الرسول ﷺ لهم وقربهم منه، فالكتابة عن الشخصية الحسينية لا يمكن أن تصل إلى مبتغاها، ولو اجتمعت البشرية على أن تصوغ ما يناسب هذا العطاء، فالعقل البشري المحدود لا يمكنه أن يُقيّم ويدرك مدى وأبعاد وأفق ما قدّمه الإمام في يوم من أعظم الأيام، حيث قدّم نفسه الزكية وجميع أهل بيته ومجموعة طاهرة أرواحهم متيقنة بحسن الخاتمة. هذا العطاء تقييمه إلهي، ومقياسه رباني، ومعانيه قدسية.

جميع الأديان رفعت من مقام الشهيد، وكل الأعراف والمواثيق تُقدّر مكانته، لما جسّد على الواقع من عطاء لا يُقدّر بثمن، ولا يُوازى بعمل، فهي من أجلّ وأرفع الأعمال الصالحة المقرِّبة إلى الله تعالى.

الشهيد الإمام الحسين نور من أنوار العشق الإلهي الرفيعة، المتوهجة برضا الله سبحانه وتعالى، مسيرة مفعمة بالحب والجمال والصفاء والعطاء من أجل تطهير الأرض من الفساد، على خطى جدّه المصطفى ﷺ. أورثَ بعطائه العزّة والكرامة للسائرين على خطاه، فهو في قلوبهم الشهيدُ الشاهدُ والحيُّ الحاضرُ، والأمينُ على مجتمعه. حقق بدمه الطاهر المجد من أوسع أبوابه، وأضاء للأمة دربها وأنار طريقها.

خير الكلام في الشهيد ما قاله الله سبحانه وتعالى، والآيات الكثيرة في القرآن الكريم توضّح الأجر وعظمة الثواب والمكانة العظيمة للشهيد، وكيف يكون الشهيد سيدَ شباب أهل الجنة. ما يختص بأمر الشهيد هو الله تعالى، فهم الصدّيقون الذين أنعم الله عليهم ليكونوا صفوة خلقه، وكذلك عند سائر الخلق على اختلاف توجهاتهم، يبقى للشهيد قدسيةٌ خاصة، تقديسٌ لا يُقارن بأي تقديس، يبقى في ضمائرهم شمعة مشتعلة لا يُطفَأ نورها، بل تبقى مشتعلة بعطرها القدسي وجلال مكانته.

كثير من عظماء البشرية على امتداد التاريخ قدّموا خدمات جليلة وعظيمة لمجتمعاتهم، أخذوا من وقتهم، وبذلوا جهودًا مضنية، لكن لا يُوازي من قدّم حياته فداءً لمجتمعه، وجعله الله تعالى شاهدًا على أمّته ومجتمعه يوم القيامة.

الشهادة في مدرسة أهل البيت ، من النبي ﷺ وسائر الأئمة، تحتل مكانة عظيمة، عرفوا قدرها، فكانوا من السبّاقين للشهادة، وبذلوا أنفسهم الطاهرة على طريق الحق ومحاربة الفساد.

شهادة الإمام الحسين لها قيمة عظيمة في زمانها، وتوقيتها، ومستقبلها، وبهذه التضحية أعطى للشهادة أبعادها النورانية وتجلياتها القدسية. أعطت أفقًا للصراع بين الحق والباطل، والصلاح والفساد، والخير والشر، وبرزت فيها أجلّ المعاني في اختيار الحياة والموت، في تغلب الذات على حبّ الحياة والركون إليها.

شهادة لم تأتِ وليدة الصدفة، بل هو العارف ببواطن الأمور وواجبه الشرعي في القيام بدوره، حتى لو كلف ذلك نفسه الزكية من أجل الدفاع عن القيم. يموت، ويبقى خالدًا بأهدافه، فهو تاريخٌ حافلٌ بالعطاء. هو موتٌ من أجل حياة أمة، ورفعة مجتمع، وولادة واقع يبشّر بالخير.

كذلك الشهداء الأطهار في ركب الإمام الحسين ، مجموعة أنعم الله عليهم أن يكونوا في خير الركب والخاتمة العظيمة، تغلبوا على النفس، واختيارات الحياة الباقية المُخلّدة، في أعظم تجليات الشهادة. اختاروا خير الطريق، رغم معرفتهم بالخاتمة مسبقًا، اختاروا أن تلحق أرواحهم بالإمام الحسين في سماء القيم الرفيعة. كرّسوا مفهوم الشهادة لمن بعدهم، أعطوا دروسًا في معاني الولاء الصادق، وقوة الإيمان بالقضية، اختاروا الطريق الصعب ليعلوا في خاتمتها. أصبحوا أنوار العشق الإلهي مع قائد مسيرتهم المظفّرة. تمنّوا لو يعودوا ثم يُستشهدوا مرارًا وتكرارًا، بما وجدوه في قلوبهم من نور حب الإمام وانعكاس هذا الحب على عطاءهم وتضحياتهم. رأوا الشهادة فوزًا لا يُقارن بفوز آخر، علموا أن وراء عالمهم الفاني عوالم من البقاء الأبدي. بعطائهم أصبحوا على مر التاريخ منارة عزة وأعمدةً قويةً في مسيرة الإنسانية، ووتدًا راسخًا في معاني العطاء في المحافظة على القيم والدفاع عنها، كانوا على خُطى إمامهم «لا يرون الموت إلا سعادة». وُلدوا من جديد، أكثرَ زهاءً وبقاءً، خالدًا يمتدّ ما امتدت الأيام والسنين.

كذب الموتُ، فالحسينُ مخلّدٌ
كلما مرّ الزمانُ، ذِكره يتجدّدُ

اليوم، وكلّ يوم، تُقام المآتم حبًّا لروح الحسين ، وتقديسًا لنفسه الطاهرة، وتجلّيًا لعظمة المصاب، وعِظَم الفجيعة في هذه الأيام الحزينة. الشهيد اليوم هو حبيب رسول الأمة ﷺ، وأمير المؤمنين، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء . فالبكاء، والنحيب، والجزع على شهادته من القيم العليا، والعمل الرفيع، والجزاء الوفير. لكن الأهم هو السير على خطاهم، وتكريس الاتّباع والموالاة في الواقع المعيش، وإصلاح النفس، واتخاذ موقفٍ بناءً على سيرتهم المباركة.