آخر تحديث: 11 / 7 / 2025م - 1:05 ص

مواسم الروح… حين تشرق القلوب من جديد

غسان علي بوخمسين

في حياتنا، نحتاج أحيانًا إلى لحظة نتوقّف فيها، نلتقط أنفاسنا، نُعيد النظر في الطريق الذي نسير فيه. لحظة تُعيدنا إلى أنفسنا، إلى قيمنا، إلى ما فقدناه بين صخب الدنيا ولهاث الأيام. ومن رحمة الله بنا، أن وهبنا مواسم للروح، مواسم يفتح لنا فيها أبواب السماء على مصاريعها، يدعونا فيها إلى أن نعود، إلى أن نقترب، إلى أن نغتسل من أوجاعنا وذنوبنا.

أول هذه المواسم، العشر الأواخر من شهر رمضان. من منّا لا يشعر في تلك الليالي بشيء مختلف؟ كأن الليل نفسه يصبح أكثر نقاءً، وكأن السكون يحمل رسالة خفية إلى القلوب، تقول: اقترب، ادعُ، استغفر… إنها ليالي القدر، ليالٍ خيرٌ من ألف شهر، فيها تُكتب الأقدار، وتُرفع الدعوات، وتُغفر الزلات. رمضان كله موسم رحمة، لكنه في العشر الأخيرة يصل ذروته. فالصيام يصفّي الروح، والقيام يضيء القلب، والقرآن يملأ الدنيا بالنور.

ثم يأتي بعده موسم آخر، يشبهه في جماله وبركته، لكنه مختلف في روحه ومشاعره. إنها العشر الأولى من ذي الحجة. أيام تزداد فيها الحسنات، وتعلو فيها الأصوات بالتكبير، وتمتد القلوب إلى عرفات، إلى ذلك المشهد المهيب، حيث يقف الحجيج خاشعين، يرفعون أكفّهم إلى السماء. ومن لم يكن بينهم، يقف بقلبه معهم، يرجو رحمة الله وعفوه. وفي يوم النحر، عيد الأضحى، نشعر جميعًا بشيء من البهجة، لكنه بهجة ممزوجة بالخشوع، حين تُسفك دماء الأضاحي قربانًا لله، وتعلو التكبيرات في الأرجاء.

لكن ثمة موسم ثالث، لا يرتبط بفريضة، لكنه يسكن في أعماق قلوبنا. إنه موسم الحسين . موسم عاشوراء. موسم الدمعة الصادقة، والنحيب الذي يُطهر القلب. موسم تعود فيه أرواحنا إلى معاني العدل والكرامة، وتذرف فيه عيوننا دموعًا لا تُشبه أي دموع. دموعٌ تغسل القلب، وتذكّره بأن الحق أثمن من الحياة نفسها، وأن التضحية من أجل القيم النبيلة هي أعظم انتصار.

في عاشوراء، تصبح قلوبنا أقرب إلى الله، تصبح أكثر صفاءً، أكثر استعدادًا للتوبة، للإنابة، للمغفرة. حضور المجالس، البكاء، التأمل في مصاب الحسين، كل ذلك يترك فينا أثرًا لا يُنسى. وكأن الحسين ، بدمه الطاهر، يوقظ فينا الإنسان الحقيقي، الذي خُلق ليكون عبدًا لله، حرًا من عبودية الدنيا.

إنها مواسم الروح… محطات رحمة أكرمنا الله بها، حتى لا تغرقنا الحياة في غفلتها. مواسم تقول لنا: لا زال الباب مفتوحًا، لا زال الطريق إلى الله عامرًا بالنور. فلنغتنمها، لعلنا نخرج منها ونحن أفضل، أنقى، أصدق، وأقرب إلى ذاك الذي خلقنا برحمته.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
علي حسن آل عطية
5 / 7 / 2025م - 1:16 م
كل موسم ديني مرآة لنا لكنه يتطلب قلبا حاضرا وعقلا متأملا…
2
أم زهراء الصادق
[ صفوى ]: 5 / 7 / 2025م - 3:19 م
اللهم صل على محمد وآله… ما أجمل الربط بين ليالي القدر ووقفة عرفة ومجالس عاشوراء. كلها محطات صفاء فعلا تحسسنا أن أرواحنا لسا بخير.