حين يُروَّج للعدائية وكأنها رأي
منذ انطلاقة ”رؤية المملكة 2030“، شهدت المرأة السعودية تحولًا تاريخيًا غير مسبوق في تمكينها، وفتح مجالات جديدة أمام مشاركتها الفاعلة في بناء الوطن. هذا التحول لم يكن مجاملة ولا ترفًا، بل استثمارًا وطنيًا واعيًا بنصف المجتمع الذي تم حجبه طويلًا عن أدوار مستحقة. ومع كل تقدم تحرزه المرأة على مستوى الحقوق والمكانة، يظهر على الجانب الآخر من المشهد، صوت مضاد يسعى للحدّ من هذا التقدم أو تشويهه، وأحيانًا تسخيفه.
لا أتحدث هنا عن أصوات تقليدية محافظة تختلف حول تفاصيل، فهذا ضمن دائرة الاختلاف الطبيعي. بل عن حسابات إلكترونية تكرّس محتواها اليومي للسخرية من المرأة، التقليل من شأنها، التشكيك بأخلاقها، أو تصوير نجاحاتها كتهديد لهوية الرجل أو استقرار المجتمع.
المفارقة أن هذه الحسابات لا تنمو في الفراغ، بل تتغذى على التفاعل، ويُعاد نشر مقاطعها وتصريحاتها بشكل مضخم، حتى من قبل من يدّعون رفضهم لها، وكأنّ مجرد السخرية منها كافٍ لإبطال سمّها. لكن الواقع يُظهر عكس ذلك: كل تفاعل يُمنح لها، هو خطوة نحو تطبيع خطاب الكراهية، وتحويل التافهين إلى مؤثّرين.
وهنا يبرز السؤال: ما الذي يدفع بعض الأفراد للمشاركة في هذا الترويج، سواء عن وعي أو بلا وعي؟ وإن كان عن وعي، فما مبرر ترويج خطاب عدائي تجاه نصف المجتمع؟
ثم، ما الحدّ الفاصل بين حرية الرأي، والإساءة المنظمة التي تمس الشرف، والكرامة، والهوية الوطنية للمرأة السعودية؟
ما يُقلق في هذا المشهد ليس فقط وجود هذه الحسابات «فالفكر الذكوري لم يكن يومًا غائبًا»، بل الانتشار الواسع، والقبول الاجتماعي الصامت، وغياب المحاسبة القانونية الرادعة في بعض الحالات، رغم وضوح المخالفات التي تمس الذوق العام والتحريض على الكراهية أو التمييز.
ولمن يظن أن هذه الظاهرة محلية، فالحقيقة أنها امتداد لحراك عالمي يُعرف باسم الحركات الذكورية المتطرفة -toxic masculinity movements-، والتي تنتشر عبر الإنترنت في أشكال مختلفة، من «حركات الرجال المنفصلين عن النساء» -MGTOW- إلى ما يسمى ب"الرجال المضادين للنسوية «Anti-Feminists»، وهي حركات تستغل حالة القلق من تغيّر أدوار الرجل التقليدية في المجتمعات، وتحوّلها إلى نزعة دفاعية سلبية تطعن في حقوق المرأة وتقدّمها كتهديد مباشر للرجولة.
لكن الحقيقة الواضحة هي أن الرؤية الوطنية لم تنصف المرأة فحسب، بل حررت الرجل من أدوار تقليدية كانت تضع على كاهله كل شيء، وفتحت له المجال ليكون شريكًا أكثر توازنًا، لا متسلطًا، ولا مغلوبًا.
في النهاية، لا أحد يطالب بمنع الرأي أو مصادرة التنوع الفكري، لكن حين يتحول «الرأي» إلى تشويه ممنهج، وإساءة جماعية، وتحريض، فإننا لسنا أمام رأي، بل أمام خطاب كراهية يجب أن يُسمى باسمه ويُواجَه بما يليق به من وعي ومساءلة.