نور.. رضاً وسلام
عدتُ وفي كفّي اليمنى طمأنينة، وفي اليسرى نوايا نثرتُها هناك كحبّات دعاء، أرجو أن تُثمر في توقيتها الإلهي. ولا أذكر اللحظة التي غادرتُ فيها حدود الزمان والمكان، تاركةً خلفي ضجيج العجلة، وأعمالًا مؤجلة، وأسئلة بلا إجابة، فقط وجدتني عند باب ذلك المقام، أسلّم قلبي، وأسترجع نفسي كما تُستعاد الذاكرة بعد فقدٍ طويل
ذلك المكان.. لا يُشبه مدينة. كأنه قطعة من الغيم أُسندت إلى الأرض، توقيت خارج الزمن، خارطة لا تُرسم بالحبر، بل بالقلب.
هناك، كل شيء يهمس بالسكينة. الخطى تمشي هادئة كأنها تعرف الطريق قبل أن تفكّر. الجدران تُسبّح بلا صوت، والهواء مشبع بكلمات طيّبة، والنسيم يربّت على كتفي كأنه يعرفني:
«مرحباً رائدة.. لقد اشتقنا لكِ».
وفي حضرة ذلك الجمال، رأيتُ وجهي بلا مرآة. رأيتُه في انعكاس الرضا على قلبي، وفي انحناءة الذاكرة أمام أول خلق، حين نبدأ من نقطة ونعود إليها وقد تغيّرنا.. إلى الأجمل.
وفوق رأسي، كان حمام الحرم يحلّق مطمئنًا، يطير بثقة كمن يعرف أن لا خوف في حضرة الله.
ففهمتُ أن الطمأنينة جناحان،، واحد من نور، والآخر من يقين.
إنها ليست رحلة، بل ولادة أخرى.
قصيدة كتبها الله، وسمح لي أن أقرأ منها بيتًا، فبكيت، وابتسمت، وحمدت.
أديتُ العمرة.. كأن الملائكة رتّبت الصفوف، دخلتُ بسكينة، وطُفتُ بلا زحام، وسعيتُ كأنني أركض في ضوء.
وهناك.. بين الدعاء والرضا، فهمتُ معنى أن أكون هنا. شرفٌ لا يُقاس، وفرحٌ يسكنني كأنشودة لا تنتهي.
واليوم، وقد امتلأ قلبي بهذا النور، أرفع شكري العميق لكل من جعل هذه التجربة مبهجة، سهلة وهينة:
لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، «يحفظهما الله»،
وكذلك وزير الحج والعمرة د. توفيق الربيعة، ولكل يدٍ نظّمت وسهّلت وابتسمت، للمتطوعين، للمنظمين، لكل من اختار أن يكون جنديًّا من جنود النور.
شكرًا لكم، لأنني عدتُ محمّلة بالسكينة، ولأن بيت الله بدا كأنه بيتي،، وبيت الله دائماً مليء بالفرح.
ومضة للشاعر يحيى السماوي:
أوصى بها الرحمن فهي عظيمة.. من غيرها الرحمن قد أوصى بها
لو لم تكن خير البلاد على الثرى.. ما كان بيت الله فوق ترابها