نقرأ لنبني وطنًا وجيلًا
تتجدد فينا رغبة القراءة؛ نغوص في قصة، نبحر في رواية، أو نترنّم بشعر، فنعيش لحظات كأننا في بستانٍ غنّاء، تفوح منه أزهى الورود وأجمل الزهور. نشعر بالفرح والارتياح، وتتفتح في أعماقنا نسائم شفّافة تستقي من حروف الكلمات وعبَق السطور، فتنبعث منها نفحات مضيئة تلج إلى قلوبنا وعقولنا كأنشودةٍ عذبة، أو لحنٍ جميل، يملؤنا بهاءً وجمالًا. وكما قيل: ”القراءة علمٌ له بحورٌ“، فما كان منها واعيًا يشفي الغليل، وما كان منها مبدعًا يثري الفكر ويغذّي العقول، يفتح أمامنا آفاقًا واسعة، يمحو الجهل، ويرسم في النفس ضياءً، ويقودنا نحو عالمٍ كبيرٍ، واعدٍ، مزدهرٍ.
قال تعالى:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 3 - 5]
قصةٌ، روايةٌ، شعرٌ، أو حكاية… كل ما في الحياة يمكن أن يكون جميلاً، فالإنسان قبل المكان، هو الذي يتحكم في الوقت والزمان. وما يسكن في أعماقنا من قول أو فعلٍ جميل كفيلٌ بأن يعكس صورةً صادقةً تنبض بالفرح والعشق، وتحمل بين ثناياها حلمًا رائعًا، ولحنًا ترقص على نغمه الأغصان، وتزغرد في صباحه العصافير، فتتغزّل الحروف بأعيننا لهفةً وشوقًا، حنينًا وهيامًا، تناشدنا: ”اقرأوا…“
نحن مَن يجعل الحياة أكثر سعادة. لا ندع الأنهار الصافية في بستاننا تجف، ولا نترك أعمارنا تتبدد حسرةً وندمًا. نقرأ ثم نقرأ، لتشبع عقولنا، وتكتسب أفئدتنا معاني سامية وراقية، بدءًا من الطاعة والشكر لله - عزّ وجل - على نعمه وعطاياه، فنُصبح من أهل الصفح والمحبة، نصل الأرحام، ونواسي الفقراء والمحتاجين، نحترم الكبير، ونشفق على الصغير، ونسعى لإسعاد الجميع. هناك تتجلى أسمى معاني الإنسانية.
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]
علينا واجبات ومسؤوليات. نحرص على التواصل الطيب مع القريب والبعيد، مع الجار والزميل، مع القوي والضعيف، نُحسن الظن بالناس، لا نكذب ولا نخون، ونتسامى بأنفسنا عن المصالح الدنيوية الضيقة التي طغت - للأسف - على بعض العقول. ونتذكّر دومًا أن القلوب مزارع، نحصد منها ما نغرسه من بذور الخير.
فلنؤسّس عقولًا واعية بالعلم، والقراءة، والاطلاع النافع، ولنصنع أقلامًا صادقة، تنير الدرب، ونبني سواعد وطنية بكفاءات واعدة.
نقرأ لنُشيّد وطنًا شامخًا، ونُعدّ جيلًا مؤمنًا، نُبحر به إلى برّ الأمان، ونفوز برضا الله الخالق الرحيم.