آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

أخلاقيات رسالية لبناء الشخصية الناجحة

مقتطفات من سيرة الرسول الأكرم (ص)

رضي منصور العسيف *

قال رسول الله ﷺ: «إن جبرئيل الروح الأمين، نزل عليّ من عند رب العالمين فقال: يا محمد، عليك بحسن الخلق، فإنه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقاً»

بحار الأنوار: ج64، ص387.

لقد استطاع رسول الله ﷺ في فترة وجيزة أن يبني حضارة عريقة، وأن ينهض بذلك المجتمع الذي سادته مجموعة من الخرافات الفاسدة، والمعتقدات الباطلة، وأن ينقذ الإنسان من براثن الجهل والتخلف إلى قمم العلم والنور والتقدم.

لقد بُعث رسول الله رحمة للعالمين، فكانت بعثته إشعاع ونور، نقل العالم إلى مرافئ الخير والصلاح، وكانت بعثته تحمل مضامين العزة والكرامة للإنسانية، ومنها شعر الإنسان بكيانه وحريته...

ومن سيرة الرسول الأكرم نقتطف هذه المفردات الأخلاقية التي تسهم في بناء الإنسان الحيوي، الإنسان النشط، الذي يرفض الذلة والمهانة والتخلف، لينطلق في ساحات العمل والبناء، محققاً أرقى درجات النجاح في حياته الشخصية ومن ثم في مجتمعه وأمته.

وهي مقتطفات سريعة ومختصرة، نهدف منها التذكير بهذه المنظومة من القيم الحيوية التي يحتاجها كل فرد منا:

المؤمن المتفكر

قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يا عليّ، لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله تعالى، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكّر.

لقد صنع رسول الله ﷺ ذلك الإنسان الذي يتميز بعبادة التفكر، وآليَّة التعقل، فهو يقوم بما افترضه الله تعالى عليه من عبادات عن وعي وتعقل، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السّلام: «كان أكثرُ عبادة أبي ذرٍّ التفكّرَ والاعتبار».

حيث أن التفكير يَشحَذ عينَ البصيرة، ويفتح لصاحبه آفاقاً من الوعي، ويمهّد له سبل العمل الصالح المحفوف بالدقّة والحكمة والجمال. ولهذا لابد من التفكير المستمر فيما يحقق كمالية الإنسان، وفيما يقدم الخير للمجتمع والأمة.

روح المسئولية

قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»

المسئولية تعني شعور الفرد بأنه سيُسأل عن أعماله صغيرها وكبيرها.

ولها عدة أبعاد: المسؤولية عن النفس، المسؤولية الأسرية، المسؤولية الاجتماعية، المسؤولية الأممية.

والمسؤولية هي من أهم الطاقات في البشرية، التي حين تُفعل وتستثمر فإنها تؤتي نتائجها الطيبة على صعيد الفرد والمجتمع، فبالمسئولية تتحقق السعادة، وبها تنمو المجتمعات وتزدهر.

إذا أردت أن تتحلى بالمسئولية فما عليك إلا أن تتذكر قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ الحجر/ 92 - 93

الهمة العالية والتطلعات العالية

قال رسول الله ﷺ: «ِنَّ اللهَ تَعَالَى: يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا» المقصود من الهمة العالية، هو الإسراع لأداء المهام، والسعي للوصول بها إلى أفضل نتيجة ممكنة، وعدم التلكؤ في تنفيذ الواجب.

فالإنسان النشيط، ذو الهمة العالية، هو أكثر الناس نجاحاً، لأن جلَّ الأمور في الحياة تعتمد على نشاط الإنسان، وحسن متابعته، وسرعة أدائه للوظيفة المناطة به.

كن متفائلاً...

عن النبي ﷺ: «نعم الشيء الفأل»

جاء في الأثر: تفاءلوا بالخير تجدوه.

ما أروعها من كلمة وما أعظمها من عبارة، المتفائل بالخير سيحصد الخير في نهاية الطريق لأن التفاؤل يدفع بالإنسان نحو العطاء والتقدم والعمل والنجاح...

التفاؤل هو الذي يولد الهمة ويبعث العزيمةَ ويجدد النشاط...

المتفائل: متوكل على الله أكثر الناس نشاطًا وأقواهم أثرًا، كل عسير عليه يسير، وكل شدة فرجُها آتٍ وقريب.

المتفائل دائما يتوقع الخير، يبتسم للحياة، يحسن الظن بالله، والله عز وجل بيده مقادير الأمور، وهو سبحانه سيكشف الضر، وسيجعل بعد العسر يسرا، وبعد الضيق فرجًا وبعد الحزن سرورا.

لا للكسل...

قال رسول الله ﷺ: «يا علي؛ إيــاك وخصلتيـن؛ الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حــق، وإن كسلت لم تؤد حقاً».

الكسل جرثومة قاتلة، وداء مهلك، يعوق نهضة الأمم والشعوب، ويمنع الأفراد من العمل الجاد والفكر المثمر والسعي النافع، والبذل الحميد.

الكسل....

ما أصاب أمة إلا أضعفها وأخَّرها ودمَّرها..

وما أصاب شعباً إلا ضيَّعه وجهله، وأفشله...

وما أصاب فرداً إلا أسقمه وأخزاه وأذله وحقَّره.

لذا عليك أن تحارب الكسل بممارسة نشاط ما، وركز اهتمامك على ما تحبه من الأعمال واسعى إلى أن تجد السبل المعينة للبدء بها وقل دائما أنك تقدر وستواصل لكي تحصل على الهدف.

نعم، حارب الكسل ولا تكن كمن وصفهم ربنا بقوله: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا النساء/142

الصمود والتحدي

قال رسول الله ﷺ مخاطباً عمه أبو طالب: «يا عم، والله، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته».

يقول تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف / 35

فلقد وقف رسول الله ﷺ كالطود الشامخ أمام كل المصاعب والتحديات، والمفاوضات الفاشلة، حتى باتت كل المحاولات بالفشل الذريع.

وهذا يعلمنا أن الوصول للهدف يستلزم إصرار ومثابرة وجهد وصبر، وتخطى الصعاب دائما وعدم الاستسلام للمحبطين والافكار الهدامة.

ما أحوجنا في هذا الوقت إلى التمسك بنهج النبي محمد ﷺ للتخطيط في بناء ذاتنا، ومجتمعنا وأمتنا، ففي كل كلمة وكل موقف صدر من الرسول الأكرم هناك العديد من الدروس والعبر، حريٌ بنا أن نقتبس منها ما ينير دربنا في الحياة.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف