بين القراءة والاستيعاب
بين أن تقرأ وأن تستوعب ما تقرؤه مسافة تطول أو تقصر اعتمادًا على عوامل عدة تتراوح بين القدرة الاستيعابية للقارئ وقدرة الكاتب على إيصال الفكرة له، وبين الأمرين تسكن عوامل أخرى ليست أقل أهمية منهما؛ كطبيعة المادة التي يتم تناولها والظروف التي تحيط بالقارئ.
ومع الأخذ في الحسبان الشريحة المستهدفة بالمادة المكتوبة فإن على الكاتب أن يضع نفسه مكان القارئ وفهمه للمادة وما يحتاج إليه من متطلبات مسبقة لهذه المادة. فحين يكتب عن موضوع ليس مطروقًا كفاية في محيط القارئ الجغرافي أو الزماني فلا بد للكاتب أن يشير إلى بعض المعلومات الأولية أو ما يمهد الطريق أمام القارئ لفهم ما يطرح من مواضيع. وإن تعسر ذلك لضيق المساحة فيمكن الإشارة إلى مراجع مفيدة في نفس مسار المادة المكتوبة. وبالطبع فإننا لا نقصد هنا أن يؤسس الكاتب فهمًا متكاملًا حول ذلك الموضوع «خاصة إذا كانت المادة المكتوبة موجزة»، بل تسهيل الوصول إليها حسب المتاح طمعًا في استمرار القارئ في القراءة.
ومما يؤثر في مستوى فهم واستيعاب المقروء هدف القراءة نفسها؛ فقد يكون الهدف مجرد المتعة وتزجية الوقت، وهنا قد لا يكون القارئ حريصًا على استيعاب جميع ما يقرأ بمقدار ما يحرص على الاستمتاع بوقته. وقد يكون الهدف مرتبطًا بعمل القارئ أو تجارته، هنا سيكون القارئ حريصًا على فهم جميع التفاصيل وربما تلخيص بعضها ونقلها في أوراق خارجية. وقد يكون هدفه أكاديميًّا لكي ينجح في اختبار ما، أو من أجل فهم المادة المكتوبة حتى يكتب عنها لاحقًا. كما يمكن أن يكون هدف القراءة إعطاء رأي حولها أو تقييمها ونقدها.
ورغم أن أسلوب الكتابة يعتمد على طول المادة والوسيلة المنشورة بها فإنه يتبقى جزء من المسؤولية على المتلقي الذي يجب أن يتصف بالصبر والتأني من أجل تحصيل واستيعاب ما يقرأ أو الحصول على إجابات لأسئلة تلح عليه.
ومما قد يساعد في استيعاب المقروء هدوء المكان، وحسن الإضاءة، وجودة الأثاث المستخدم، وأن يكون هم القارئ الاستيعاب لا عدد الصفحات المقروءة، مع الاستفادة من أي وسيلة ورقية أو إلكترونية لفهم بعض المفردات الغامضة، ووضع علامات أو التأشير على بعض النقاط المهمة في الكتاب أو تلخيص بعض أقسامه أو صفحاته.