آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 11:28 م

تنوع الرؤى: طريقنا نحو التفاهم والاحترام

عماد آل عبيدان

في زمننا الحالي، أصبح من السهل على الكثيرين أن يروا أنفسهم مقياسًا للحق والصواب. فكلما واجهوا سلوكًا أو تصرفًا يختلف عن طريقتهم في الحياة، سرعان ما يحكمون عليه، معتبرين أن الطريقة التي يسيرون بها هي النموذج المثالي. لكن ماذا يحدث عندما نرى أنفسنا في مرآة الآخرين؟ كيف يمكننا أن نتعامل مع حقيقة أن ليس الجميع يرى العالم كما نراه؟

إن هذه الفكرة لا تقتصر على سلوكياتنا اليومية فقط، بل تمتد إلى الجوانب الأعمق في ديننا وتفكيرنا. مثال على ذلك، عندما يحكم البعض على طريقة عبادة الآخرين، فيعتبرون من يلتزمون بعبادة معينة أفضل منهم، أو بالعكس، عندما يعتبرون من يختلف عنهم في طريقة العبادة غير متدين أو ”متساهل“. هذا التقييم السريع والمباشر لا يعكس إلا ضعفًا في فهمنا وتقديرنا لعمق تجارب الآخرين.

قد نجد هذا في الكثير من الحوارات اليومية، مثلاً: ”كيف لا تُكمل صلاتك في المسجد كما نفعل؟“ أو ”لماذا لا تلتزم بتقاليدنا في الأعياد كما يفعل الآخرون؟“. هنا نجد أن البعض يرون أنفسهم وحدهم أصحاب الطريق الصحيح، دون أن يدركوا أن المعيار في الدين والحياة هو ليس كيف نعيش نحن فقط، بل كيف نتعامل مع من حولنا بمراعاة واحترام لخياراتهم وطرقهم.

وفي الواقع، قد تجد المواقف اليومية خير مثال على هذا التفاوت. فلو حدث أن مرّ شخصٌ أمامك في طريقه بسرعة، فبعضنا قد يرى فيه ”تهورًا“ وأنه يضع نفسه في خطر، بينما لو رأيته يقف أمامك في زحمة السير ببطء، تراه ”متأخّرًا“ أو ”بطيئًا“. إن هذه التوقعات القاسية عن الآخرين تبني جدارًا من الأحكام السطحية، وهي أحكام غالبًا ما نكررها في أذهاننا دون أن نعيها.

لنأخذ مثالاً آخر: في مجال العمل، إذا كنت تعمل بجد وتحرص على الوصول إلى أهدافك بكل جهد، قد تجد نفسك غير قادر على تفهم أو قبول أسلوب آخر يراه البعض ”أقل نشاطًا“ أو ”أقل إصرارًا“. قد تتحدث مع أحد زملائك وتقول: ”أنا أعمل بجد كل يوم، لماذا لا يسير الجميع على نفس النهج؟“. لكن، ماذا لو كان هذا الزميل يمر بظروف شخصية أو ضغوطات تجعله لا يظهر نفس المستوى من الجهد؟ إننا غالبًا ما ننسى أن لكل شخص ظروفه الخاصة التي تؤثر على سلوكه وقراراته.

والمثال الأبرز والأكثر تأثيرًا، هو ما يحدث في مجتمعاتنا حول قضايا التقاليد والتطور. هناك من يقدس ”طريقة الأجداد“ ويعتبرها دائمًا الحق الذي لا يُخطئ، لكنهم في الحقيقة قد يغفلون أن الحياة تغيرت وأن متطلبات العصر قد تتطلب منا التعامل مع الأمور بطريقة مختلفة. كثيرًا ما نسمع العبارات مثل: ”لماذا لا تحترم التقاليد؟“، ”لماذا لا تتبع ما فعله آباؤنا؟“ وكأن هذه التقاليد لا يمكن أن تتغير أو أن هناك صيغة واحدة فقط للصواب. هذا هو الاختلاف الذي يعزز من حدة التوترات بين الأفراد، ويخلق فجوة بين الأجيال.

لكن ماذا لو قمنا بتغيير هذا النهج؟ ماذا لو استطعنا أن نرى أن لكل شخص خلفية وتجربة قد تثرينا؟ أن التفاهم والاحترام المتبادل هما السبيل لتجاوز هذه الفجوات. الفكرة هي أن كل شخص يتخذ مسارًا في الحياة بناءً على تجربته الفريدة، وأنه من خلال احترام هذا الاختلاف، يمكننا أن نتعلم شيئًا جديدًا.

وكمثال حي في مجتمعنا، قد نجد أن الشخص الذي يتبنى أسلوب حياة بسيطًا، مثل تجنب الإسراف في المال أو الرفاهية، يعتبر ”مقتصدًا“ في نظر البعض، بينما يرى الآخرون في هذا الشخص ”محرومًا“. أو قد يظن البعض أن من يعيش حياة هادئة ومستقرة، بعيدًا عن كل شيء، هو شخص ”خامل“، بينما الحقيقة أنه قد يكون يعيش وفق أولوياته الخاصة التي لا تتوافق مع أفكارنا.

إن التصرفات والأمثلة الواقعية التي نراها يوميًا تفتح لنا أبوابًا لفهم أعمق للناس من حولنا. علينا أن نعي أن معايير الصواب والخطأ التي نعيش بها ليست هي المعايير الوحيدة، وأن الشخص الذي يبدو مختلفًا عنا قد يحمل في طياته حكمة يمكن أن نستلهم منها. إن تنوع الأفكار والخلفيات والثقافات هو ما يجعل المجتمع حيًا وقادرًا على التطور.

فإذا أردنا حقًا أن نعيش في مجتمع متفاهم، يجب علينا أن نتخلى عن الأحكام السريعة وأن نعلم أن الشخص الذي لا يشبهنا ليس بالضرورة على خطأ، بل هو ربما يحمل شيئًا من الصواب الذي يختلف عنا. ولنحتفظ دائمًا بعقول منفتحة وقلوب متسامحة، لأن النمو الشخصي والروحي لا يأتي إلا عندما نتعلم من الآخرين ونتقبل اختلافاتهم.

إنه وقتنا لنترك خلفنا الأحكام المسبقة ونسعى لبناء مجتمع أكثر تناغمًا واحترامًا، حيث تتلاقى اختلافاتنا وتثري حياتنا جميعًا.