آخر تحديث: 1 / 4 / 2025م - 1:17 ص

هارون محمد، صوت العطاء في الكوفة والنجف

ليلى الزاهر *

هو ليس ذلك الرجل القياديّ العاديّ، ولم يكن مفخرة زمانه الذي عاش فيه فحسب بل حلّق في أجواء التاريخ الإسلامي والإنساني في مختلف الأزمنة.

شهدتْ الحياةُ التي عاش فيها أمير المؤمنين كلّ خير فهو رجل فكرٍ وعلم وأدب وشجاعة، جمع من العلوم والآداب أجلّها، ومن فنون الشّجاعة أشرسها لذلك حار فيه الفلاسفة والمؤرخون على اختلاف مذهبهم ومنشأهم.

ومما لا شك في قدرته العلميّة والدينيّة فهو ربيب بيت النبوة، شهد انطلاقة الوحي وباكورة الإسلام، وقد وصف ملازمته لابن عمه ﷺ حينها فقال: ولقد كنت أتّبعه إتّباع الفصيل «أي ولد الناقة» أثر أمّه.

ففُتِحتْ أمامه جُلّ أبواب العلم وأفاض عليه نبيّ الهدى بحورا من أنور العلم حتّى قال عن نفسه:

اللّهمّ إنّي أوّل من أناب، وسمع وأجاب.

لم يسبقني إلاّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالصّلاة.

ومن منا لا يعرف شجاعته المُطلقة في الحق وفي الحروب، ثِقة رسول الله، وصنديده أينما ذهب فأيّ صفاته أذكرُ وأيّها أسلّطُ عليها الأضواء وقد لا تسعفني ذاكرتي التاريخيّة لأذكر لكم طرفا من سيرة القائد العظيم الذي امتلأ قلبه رحمة وشفقة، حتى في خوضه للحروب له بصمة خاصة وفلسفة عميقة نصّت على ما قاله في إحدى خطبه:

«فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها».

شاءت الأقدار في هذه الأيام أن أكون بمرقد الإمام علي في ذكرى استشهاده، كنتُ أقطع المرقد الشريف ذهابا وإيابا حتّى يصلّ خيالي لرتبة أستطيع من خلالها رسم هارون محمد، ألمح صوت الشجاعة المتناثرة في الكوفة والنجف، أرى الأخلاق العلويّة التي انبعثت من مرقده الشريف مثل نسيم البحر الهادئ فاستوعبت القلوب وخالجت النّفوس.

امتزج حبّ الأمير بالحياة هنا فتراه يتجسد في يدٍ تعطي الفقير وتمسح دموع الألم عن مُقلّ الأيتام، شهدتُ تلك المائدة العظيمة التي افترشها الكثير من الناس أمام مرقد الإمام ، كان خوانا عظيمًا امتد على جانبي الشارع المُسمّى بشارع الرسول الأعظم.

ربما أبصرت الإمام وهو يشدّ على يد صاحب هذه المبادرة الجميلة في شهر رمضان المبارك وأنا أقول:

هذا هو كرم علي وهذه أخلاقه.

رفيق رسول الله وابن عمه وأوّل من صدّق به وصلّى بجانبه قبل أن تكون هناك صلاة جماعة وقبل أن يُسمع للإسلام صوت.

وإن كان لم يُشر لإبداعه العلمي وسمو فكره في زمنه إلّا أن شخصيته الفذّة فرضت وجودها حتى خاض في شأنه جميع المفكرين والفلاسفة.

يقول هنري ستوب، الطبيب والمفكر البريطاني:

”ازدرى الإمام علي العالم المادي ومجده الخادع، خشي الله وكان محسنا جوادا إلى الخير، الأول والسابق إلى كلّ فعل إلهِي، وحكمه كان اجتماعيا، ويملك إبداعا وذكاء حادا. ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لأن الإبداع لم يكن شائعا، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم والحكمة الخفيّة التي تمتد ولا تنتهي أو تموت“.

السلام عليك سيدي يا أمير المؤمنين.

مأجورين نحن بمصابك الجلل.