آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 5:45 م

الإمام عليّ وقمّة القرب من الله: بين معرفة الخالق وطاعته

عبد الله العوامي *

قد تبلغ ذروة المجد المهني حين يُنادى باسمك مقرونًا بلقب رفيع، وتُزف إلى منصب طالما حلمت به.

وقد تُعدّ من صفوة العقول حين تجتاز أصعب الامتحانات الأكاديمية، فتُصنَّف في مصافّ الأذكياء والعباقرة.

وقد تكون من سعداء الدنيا حين تتمتّع بغِنى المال ووفرة الممتلكات، فتسكن أفخم البيوت، وتركب أرقى السيارات، وتُحاط بزوجة وأولاد يكمّلون صورة نجاحك في أعين الآخرين.

وقد تحظى بمكانة اجتماعية كبيرة، حين تمتلك المشاريع الناجحة والشركات الكبرى، فيصبح بيتك عامرًا بالضيوف والحضور، يأتونك راغبين في التقرب منك ونيل حظوة في مجلسك، وتغدو من الوجهاء الذين يُشار إليهم بالبنان.

ولكن… هل أنت قريب من الله؟

ذاك القرب الذي يفوق رفعة المناصب، ويتجاوز مجد الشهادات، ويغلب بريق المال والمتاع، ويتسامى فوق الجاه والوجاهة الاجتماعية.

نعم، ذاك هو القرب الحقيقي، الذي نراه متجسدًا في سيرة الإمام عليّ ، الذي وُلِد في جوف الكعبة المشرفة، واستُشهِد في محراب الصلاة… فأي قرب أعظم من أن تبدأ حياتك في بيت الله وتختمها وأنت ساجدٌ بين يديه؟

وبين لحظة الميلاد المُعجزة ولحظة الرحيل الخالدة، كانت حياة الإمام عليّ رحلةً لا نظير لها من القرب الحقيقي من الله. عَرَف ربَّه أولًا فامتلأ قلبه بنور الإيمان وصدق اليقين، ثم عَرَف واجباته تجاه الخالق، فلم يكن عابدًا في المحراب فحسب، بل كان عابدًا في محراب الحياة أيضًا. كان حاضرًا في أهله، عطوفًا في بيته، كريمًا في قومه، قائدًا في مجتمعه، عادلًا في حكمه، حكيمًا في قضائه، سخيًّا في عطائه، تقيًّا في أعماله وأفعاله. لقد جسّد الإمام علي في حياته معاني التقوى والفضيلة، فأصبح مثالًا حيًا، وقدوةً خالدةً لكل الخصال النبيلة.

لم يصل الإمام علي إلى هذا القرب الاستثنائي بمحض الصدفة، أو بحسن الحظ، وإنما بلغ هذه المرتبة لأنه عرف الله حقَّ معرفته، وفَهِم عمق أوامره، فكان أول السابقين إلى طاعته، وأخلص المجاهدين في سبيله، وأصدق المؤمنين في عبادته، فاستحقَّ بحق هذا القرب الأعظم من الله.

اللهم إنّا نسألك قربًا منك، نبدأه بمعرفتك، ونُحييه بطاعتك، ونختمه برضاك.