آخر تحديث: 13 / 2 / 2025م - 9:37 م

ساحة تنافس واقتناص فرص

ورد عن الإمام الحسين : يا أيها الناس نافِسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم» «بحار الأنوار ج 75 ص 121».

دعوة في مضمار السعي الحثيث نحو تكامل الشخصية وتزيّنها بالقيم الأخلاقية والحُلل التربوية، فهذه المفاهيم والمفردات ما يستحق التنافس في ميدانه، لما يحققه من أبعاد القوة والتكامل في شخصية الإنسان في الحياة، وهو عنوان الحصاد والنتائج النهائية ومفخرة صحائف الأعمال في يوم القيامة.

على المستوى الأخلاقي والاجتماعي تظهر معالم شخصية الإنسان من خلال تحليه بالقيم النبيلة كالصدق والتواضع وحسن التعامل مع الآخرين، وهي ما يستحق التنافس وبذل المجهود في سبيل تصدر قوائم أصحاب الأخلاق الفاضلة، ورغبة الإنسان في التقدّم وتصدر قوائم المتنافسين وأن يكون اسمه خالدا ومسطّرا في صحيفة الشرف والنجاح، فليكن عمله وسعيه وتخطيطه مبذولا في ميدان عمل الخير وصنع المعروف، فالتحليق في فضاء السمو والرقي الأخلاقي هو عنوان التقدم والفوز الحقيقي، إذ يعمل الفرد على تعزيز معالم ونقاط القوة في شخصيته من خلال التحلي بهذه المكارم الأخلاقية، فالفرص السانحة والمتاحة أمامه ليقتنصها لا تأتي جاهزة ومغلفة ما عليه إلا مد يديه لتناولها، بل هي نتاج عمل جاد وسعي وانتقال من مرحلة وخطوة إلى أخرى حتى يظفر بمراده، ولذا نرى تعبير الإمام بالمسارعة والتنافس في ميدان عمل الخير، أي لابد أن يكون عنده من الاهتمام وروح المبادرة ما يجعله في الصفوف الأولى، وباب الخير والمعروف مفتوح على مصراعيه ويمكن للإنسان أن يتناول أطراف أحدها بحسب إمكانياته، فالعبادة بمفهومها الشامل لا تقتصر على الصلاة والصوم والصدقة، بل كل عمل على المستوى الاجتماعي وتقديم المساعدة للآخرين يُعد عملا عظيما يستحق الثواب عليه.

وعقارب الساعة لن تتوقف أو تكون بانتظار أحد حتى يأخذ وضع التهيؤ والاستعداد، بل على الإنسان أن يبادر إلى تنمية قدراته وتوظيف إمكانياته في ساحة عمل الخير والتحلي بالأخلاق الرفيعة، فالمستقبل المشرق والواعد ليس مجرد أمنيات وأحلام وردية نداعب بها مشاعرنا، بل هي تخطيط وعمل مثابر واغتنام الأوقات بعيدا عن روح التكاسل والتعاجز.

وأما التنافس على المكارم والأخلاق الرفيعة لا يعني بالضرورة عقدها بين الأفراد، وإنما هي جهاد النفس وتهذيبها وتطويرها بالتحلي بالمزيد من الفضائل والتقدم فيها إلى مستويات ودرجات أعلى وأفضل، فيحاسب نفسه مع كل موقف وحديث ويرى مدى انسجامه مع المنظومة الأخلاقية كالتواضع والعطاء؛ ليتمكن من تصحيح مواقفه وتعديلها عند الوقوع في أي زلل والتخلص من شوائب الرذائل، فيتحقق الهدف الأسمى وهو تحويل تلك الومضات التربوية إلى أسلوب حياة ينعكس على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية وحمايتها من التوتر والمشاحنات، فتطوير الذات وتحليها بالأخلاقيات جانب مهم في شخصية الإنسان وتحقيق مفهوم الإنسانية النبيلة فيه والابتعاد عن أسلوب الغاب والتصرفات اللا مسئولة، فأبجديات العلاقات هي أيقونة احترام الآخرين والتعامل معهم بلطافة ولباقة والقدرة على الانسحاب الهاديء في كل موضع لا يستطيعون فيه المحافظة على هدوئهم وضبط أنفسهم، فالبعض يعاني من الضعف النفسي والانفعالي ويظهر ذلك جليا في تعرّضه للمواقف الضاغطة والمشاكل المختلفة، فيفقد معها اتزانه الفكري والسلوكي ويدخل في نفق المهاترات والهجوم الناري على الغير، ومنظومة الأخلاق والمفردات التربوية تساعده على توظيف مفرداتها في تصرفاته وأحاديثه، ومفهوم الذكاء الاجتماعي والقدرة على ضبط علاقاته بعيدا عن الانفعالات الغاضبة، مع رفدها بأساليب اللباقة والكلمة الجميلة وتجنب استفزاز الطرف الآخر، يعد من النقاط المهمة التي يتحلى بها الفرد ويمارسها بشكل طبيعي وعملي.