الجمعيّات التخصصيّة
الجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية تلعب دورا محوريا في تعزيز التكافل الاجتماعي وتلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفا. وكذلك تسهم في تخفيف الفقر وتحسين جودة الحياة؛ وبفضل رؤية المملكة 2030 م، شهدت الجمعيات الخيرية تطورا كبيرا نحو التخصصية والشفافية، مما يعزز أثرها الإيجابي في المجتمع. وبالتأكيد، جاءت رؤية المملكة 2030 م لتطوير دور هذه الجمعيات، حيث أصبح من الضروري أن تتواكب مع التحولات السريعة في حياة البلد والإنسان.
لم يعد من الممكن أن يظل دور الجمعيات الخيرية تقليديا كما كان قبل 50 عاما؛ فالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية تتطلب أن تتبنى الجمعيات نهجا احترافيا وأكثر تخصصية، مع التركيز على الاستدامة، والابتكار، واستخدام التكنولوجيا لتعظيم أثرها وتحقيق أهدافها بفاعلية أكبر، بما يواكب احتياجات المجتمع المعاصر.
ومن أهم وأولى الخطوات لتطوير الجمعيات الخيرية والخدمات المقدمة من القطاع غير الربحي في المملكة، كان إنشاء المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. وجاء تأسيس هذا المركز بقرار مجلس الوزراء رقم «459» بتاريخ 11/8/1440 هـ، ليكون جهة مختصة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ويهدف المركز إلى تعزيز أداء القطاع غير الربحي،
ومن ثم بدأ المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بالاضطلاع بدوره الفعلي في تطوير المجتمع وتنظيم العمل غير الربحي، حيث عمل على إنشاء جمعيات تخصصية فاعلة تتميز بأهداف واضحة واستراتيجيات محددة. وجاءت هذه الخطوة استجابة لعدة أسباب، منها:
1. مواكبة التحولات التنموية: والحاجة إلى جمعيات ذات طابع تخصصي لتلبية احتياجات مجتمعية محددة تتماشى مع رؤية المملكة 2030 م.
2. تعزيز الكفاءة والفعالية: وتقديم الخدمات بأعلى جودة من خلال مؤسسات متخصصة تمتلك خبرات متعمقة في مجالاتها.
3. تحقيق الاستدامة المالية والإدارية: وتمكين الجمعيات من الاعتماد على موارد متنوعة وإدارة احترافية تضمن استمرارها.
4. تحفيز الابتكار: تشجيع الجمعيات التخصصية على تقديم حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية.
5. تعزيز الشراكات: وتوجيه الجمعيات نحو العمل التكاملي مع القطاعات الأخرى، بما في ذلك القطاع الحكومي والخاص.
لقد أسهم هذا النهج في نقل القطاع غير الربحي إلى مستوى أكثر احترافية، وجعل الجمعيات التخصصية جزءا محوريا من التنمية المستدامة في المملكة.
وفي إطار توجهه نحو تطوير القطاع غير الربحي، عمل المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي على ترخيص جمعيات تخصصية بهدف تحقيق مخرجات تنموية مؤسسية تسهم في بناء مجتمع ينعم أفراده بحياة كريمة وقادرة على تحمل المسؤولية والمشاركة الفاعلة في التنمية. كما يشجع المركز على مأسسة صناديق العوائل لضمان حقوق المتبرعين والمستفيدين، وتعزيز دورها الاجتماعي البناء، مع الحد من الصناديق العشوائية لتحقيق أثر إيجابي ومستدام.
ومن أبرز هذه الجمعيات، جمعية المودة بمكة المكرمة، فهي تعد نموذجا رائدا في تعزيز الاستقرار الأسري والتنمية المجتمعية عبر برامج متنوعة، حيث تخدم أكثر من 750 ألف أسرة. وقد ساهمت الجمعية في الحد من النزاعات الأسرية وتأهيل المقبلين على الزواج وغير ذلك من الجوانب الإنسانية.
وكما هي عادتها، تواكب محافظتنا الغالية القطيف رؤية المملكة 2030 م، حيث بدأت بعض صناديق العوائل في التحول إلى مؤسسات منظمة، إضافة إلى تأسيس عدد من الجمعيات التخصصية التي تلبي احتياجات المجتمع بشكل أكثر كفاءة واستدامة. ومن الشخصيات البارزة التي ساهمت في هذا المجال، المهندس عبد الله حبيب آل خريدة، الناشط الاجتماعي المعروف وعضو مجلس الإدارة الأسبق لجمعية سيهات للخدمات الاجتماعية، فقد كان له دور محوري في إنشاء ثلاث جمعيات تخصصية خلال الفترة القريبة الماضية، مما يعكس التزامه الكبير بخدمة المجتمع وتعزيز العمل المؤسسي في القطاع غير الربحي.
ختاما، تشهد المملكة تحولا ملحوظا في طبيعة الجمعيات الخيرية، حيث أصبحت الجمعيات التخصصية هي العمود الفقري للعمل غير الربحي بفضل تركيزها على الكفاءة، الاستدامة والابتكار؛ ومع هذا التحول، تجد الجمعيات التقليدية نفسها أمام مفترق طرق، فإما أن تتبنى التطوير والتخصص بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 م أو تواجه خطر التراجع والتهميش في ظل متطلبات المرحلة الحالية.
إن الجمعيات التي تنجح في مواكبة هذا التطور لن تقتصر على أداء دورها التقليدي، بل ستصبح مؤسسات فاعلة في التنمية المستدامة، تسهم بفاعلية في تحسين حياة الأفراد والمجتمع ككل؛ ولذا فإن مصير الجمعيات الحالية مرهون بمدى قدرتها على التكيف مع هذا النهج الجديد، والانضمام إلى ركب الجمعيات التخصصية التي تثبت يوما بعد يوم أنها النموذج الأمثل لخدمة المجتمع وتحقيق أهداف التنمية.