هل أشتري عملات مشفرة؟
ليس مسموحاً تداول العملات المشفرة في المملكة، في حين أن الأمر ليس كذلك في أكثر من دولة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي؛ فبعض دول مجلس التعاون تبنت أطر تنظيمية تسمح بتداول العملات المشفرة، فيما تفرض دول أخرى حظراً صريحا وبيئة مقيدة. تتطلب الامتثال للقوانين. وهكذا، يتفاوت المشهد التنظيمي لتداول العملات المشفرة في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير. هذا الوضع يستوجب معالجة عاجلة، ليس لأنه طاريء بل بسبب أن تموضع العملات المشفرة يشهد تغييراً قد يكون مزعزعاً، يستوجب مجاراة آفاق ما سيحدث نتيجة للتبني الهائل للرئيس الأمريكي ترامب وإدارته للعملات المشفرة، وسعيه أن يجعلها جزءاً من الاحتياطي الفدرالي مشجعاً كل ولاية أن يكون لديها احتياطي من تلك العملات. فضلاً عن سعيه الحثيث لإيجاد إطار تنظيمي للعملات المشفرة بما يساعد في ان تخرج من كونها أصلاً لتصبح وسيلة دفع وأداء، وبذلك تكتسب صفة العملة، كبقية العملات التي نشتري بها السلع والخدمات ونؤدي ما علينا من التزامات. وفوق ذلك ستصبح عملات عالمية متداولة في أنحاء العالم. وهكذا يبرز السؤال المُلّح: ما دور البنوك المركزية في كل هذا؟ هل يكفي أن تواظب بالرفض والتمترس؟ أم عليها التعامل مع المستجدات؟ وهل هو أمر يرتبط فقط بالبنوك المركزية للدول أم أن دوراً محورياً تنسيقياً ينبغي أن تقوده منظمات عالمية متخصصة مثل البنك التسويات الدولي وصندوق النقد الدولي؟
ومن هنا تبرز أهمية أن يكون ثمة اتساق في سياسات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجاه العملات المشفرة، فهي حالياً غير متسقة. التجربة تقول إن ما تمنعه دوله وتسمح به دولة أخرى ضمن مجلس التعاون يعني - في الحد الأدنى - تسرباً؛ فمن يرغب في الاستثمار في العملات المشفرة سيستثمر في العملات المشفرة، فإن لم تسمح السعودية سيذهب بأمواله إلى البحرين أو الامارات، حتى لو تطلب الأمر أن يسافر شخصياً ويفتح حساب مصرفي هناك ويحول أمواله من ذلك الحساب لمنصات التعامل بالعملات المشفرة. قد يقول قائل إننا نسعى لحماية أموال الأفراد. أقول: لا شك في ذلك، لكن هناك خط فاصل بين الحماية ومكافحة تمويل الأنشطة المشبوهة وبين عدم مواكبة المستجدات. وطلباً للتحديد، لنعرج سريعاً على المشهد الخليجي تجاه العملات المشفرة:
تحظر لمملكة العربية السعودية على البنوك التعامل مع معاملات العملات المشفرة، لكن لا توجد عقوبة قانونية للتداول الفردي، أما الإمارات العربية المتحدة فموقفها من العملات المشفرة متقدم نسبياً، إذ تفرض هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي «VARA» على الشركات التي تتعامل مع العملات المشفرة الحصول على ترخيص، في مسعى لجعل دولة الإمارات محوراً اقليمياً لتقنية بلوكتشين، والسماح بتداول العملات المشفرة في بيئات منظمة مثل مركز دبي للسلع المتعددة «DMCC» وسوق أبوظبي العالمي «ADGM»، فيما يحظر مصرف قطر المركزي صراحة تداول العملات المشفرة. أما دولة الكويت فقد فرضت حظرا شاملا على الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة، بما في ذلك التداول والمدفوعات والاستثمارات والتعدين. يشير هذا إلى موقف تنظيمي واضح ضد العملات المشفرة. وعلى النقيض، وضعت البحرين إطارا تنظيميا للإشراف على أنشطة العملات المشفرة، وترخيصها من خلال مصرف البحرين المركزي. وفيما يخص سلطنة عُمان عمان فلا يوجد إطار تنظيمي محدد يشجع على تداول العملات المشفرة.
دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بحاجة إلى التحرك للتلاقي فيما يتصل ببناء إطاراً تنظيمياً متوائماً فيما يتصل بتداول العملات المشفرة وتوحيد موقف من تلك العملات باعتبارها أدوات دفع، وليست الدعوة هنا لاستباق موقف بنك التسويات الدولي أو التوجه العالمي لصندوق النقد الدولي فيما يتصل بالعملات المشفرة، ولا حتى التماهي مع حماس الرئيس الأمريكي ترامب، بل المطلوب وضع إطار تنظيمي متوائم بما يكسر جمود البنك المركزي الخليجي فيما يتصل بالعملات المشفرة حفاظاً على الفرص وحداً للمخاطر.