آخر تحديث: 29 / 1 / 2025م - 10:51 م

الثالوث الشرس وقتل الأحلام

في حياتنا اليومية سواء على الصعيد الشخصي أو المهني نجد أنفسنا أحيانا كثيرة محاصرين داخل دائرة مغلقة تتألف من الشك والتردد والبطء في التنفيذ، وهي ظاهرة يمكن وصفها، بـ ”الثالوث الشرس“ وتحدٍ كبير في مواجهة الحياة وعائق خفي أمام تحقيق الأهداف والطموحات، إذ تتشابك فيها الضغوطات النفسية وتحديات الواقع لتخلق حالة من الإحباط والاستسلام.

فالشك: هو حالة من عدم اليقين أو التردد في التصديق أو اتخاذ قرار حول أمر معين، ويمكن تصنيفه إلى الشك الطبيعي أو الصحي مثل الشك في مصدر خبر غير موثوق والبحث عن تأكيد له، والشك الفلسفي الذي يرتبط بالتأمل حول المعرفة والحقيقة والوجود، والشك المرضي الوسواسي وهو الناتج عن حالة نفسية تتميز بوجود أفكار متكررة ومزعجة تجعل الشخص يشك في أمور غير واقعية وهذا ما نقصده، وهو أول عناصر هذا الثالوث حيث يضعف إيماننا بقدراتنا ويزرع في داخلنا الخوف من الفشل ويفقدنا الجرأة على المحاولة، وهناك أنواع أخرى مثل الشك العقائدي والعلمي والذاتي و.. ثم يليه.

التردد: ويشير إلى عدد المرات التي يتكرر فيها حدث معين أو ظاهرة معينة خلال فترة زمنية محددة، وهو الذي يضعنا في حالة من المماطلة المستمرة والخوف من اتخاذ الخطوة الأولى، الأمر الذي يعطل مسار التقدم ويبقي أحلامنا معلقة دون تحقيق، ويتم تصنيفه بناء على السياق الذي يستخدم فيه، ومن أنواعه كذلك التردد الزمني، والنفسي، والصحي، والتردد في العادات مثل تكرار سلوك معين أو عادة بشكل دوري، والرياضي، و.... ثم يليه.

البطء في التنفيذ: ليكمل هذه الدائرة بإهدار الوقت والفرص، وإحباط الطموحات، فمثلا قد يكون لديك فكرة مشروع جديد أو خطة عمل معينة لتحسين أدائك الشخصي أو المهني أو لتحقيق أهداف بعيدة المدى، أو ربما تسعى إلى إحداث تغيير إيجابي في مجتمعك أو بيئتك العملية من خلال تطبيق أفكار مبتكرة وأساليب حديثة، ولكنك تجد نفسك عالقا في صراع داخلي، فالشك يجعلك تتساءل: هل فكرتي مبتكرة بما يكفي؟ وهل ستلقى قبولا في السوق؟ وهل امتلك الموارد اللازمة لتحقيقها؟

أما التردد فقد يضيف أسئلة جديدة تزيد من الحيرة والإرباك وتدخل الفرد في دائرة من المراجعات المتكررة، مثل ماذا لو فشلت؟ ماذا لو لم أحقق ما أريد؟ وماذا سيقول الناس عني؟ وهل لدي الدعم الكافي؟ وهل، وهل؟ وما إلى هنالك.

أما عن البطء في التنفيذ فقد يجعلك تنتظر ثم تنتظر ثم تنتظر الظروف المناسبة التي قد لا تأتي أبدا مما يؤدي إلى ضياع الفرصة وإهدار الوقت والموارد.

وفي هذا المقال سنستعرض أسباب ظهور الثالوث الشرس، وسنقوم بتحليل العلاقات المتشابكة بين مكوناته وكيف يؤثر كل عنصر منها على الآخر، ثم سنقدم المعالجة للمشكلة

تعريف الثالوث الشرس

الثالوث الشرس: هو مفهوم يستخدم للإشارة إلى ثلاث قوى أو عوامل مترابطة تعمل معا بشكل مدمر أو مؤثر سلبيا على نظام معين سواء كان اجتماعيا أو اقتصاديا أو حتى نفسيا، حيث يتسم بقدرة عالية على تفاقم المشكلات وتعقيد الحلول بسبب التداخل والتشابك بين أجزائه وتأثيراته المدمرة التي تضاعف بعضها البعض، وقد سمي بالشرس بسبب الطبيعة العدوانية أو المدمرة التي يتسم بها كتأثير كل عنصر على الآخر، وقد أشار إليه العديد من المفكرين والخبراء في علم النفس والإدارة والتنمية البشرية.

ففي الشك: قال سيغموند فرويد بأنه ينبع من الصراعات الداخلية بين الرغبات والخوف من الفشل وهو عائق يمكن تجاوزه من خلال مواجهة المخاوف والتعامل مع الجوانب اللاواعية، أما ألبرت أليس يرى أن الشك يمكن أن يكون نتيجة للأفكار السلبية والمعتقدات غير المنطقية التي تؤدي إلى القلق.

وفي التردد قال وليام جيمس: أن التردد هو قاتل العمل، وإذا أردت تحقيق أي شيء يجب أن تقرر وتتحرك فورا، فغالبا ما يرتبط التردد بالخوف من الفشل أو النقد مما يؤخر اتخاذ القرارات.

وفي البطء في التنفيذ: قال كارل غوستاف أن البطء بالتنفيذ يرتبط بفقدان الدافع أو التركيز، وغالبا ما يكون نتيجة للضغوط النفسية أو عدم وضوح الهدف.

أسباب ظهور الثالوث الشرس

في رحلة البحث عن النجاح وتحقيق الأهداف، يبرز ثالوث الشك والتردد والبطء في التنفيذ كأحد أبرز التحديات التي تواجه الأفراد والمؤسسات على حد سواء، حيث يطغى الخوف من الفشل على الجرأة، ويتحول التردد إلى عائق يحول دون استغلال الفرص، بينما يصبح البطء في التنفيذ عاملا رئيسيا في خسارة الوقت والموارد لما لهذا الثالوث من جذور متشابكة ومعقدة تمتد إلى عوامل نفسية مثل انعدام الثقة بالنفس والخوف من العواقب، وأخرى اجتماعية تتمثل في ضعف الثقة بالبيئة المحيطة إلى جانب عوامل ثقافية أخرى تغذي الحذر المبالغ فيه والخوف من اتخاذ الخطوات الغير مألوفة، ومن أبرز الأسباب الرئيسية لظهور هذا الثالوث السرطاني هي:

1- التربية السلبية

فعندما ينشأ الطفل في بيئة تتسم بالنقد المستمر لكل أفعاله، وأفكاره، وعدم إعطائه مساحة للتعبير عن ذاته بحرية، مع فرض رقابة شديدة على تصرفاته فإنه مع الوقت يبدأ بتكوين صورة ذاتية سلبية عن نفسه وبالتالي تزرع في داخله الشك في قدراته وقراراته وتجعله يخشى المبادرة خوفا من الفشل أو الرفض مثل إذا كان الوالدان ينتقدان قرارات الطفل أو يحطان من شأن أفكاره فإنه ينمو وهو غير واثق من قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة.

2- الإخفاقات السابقة

عندما يواجه الفرد إخفاقات كبيرا في مراحل عمره السابقة مثل فقدان فرص الدراسة أو الفشل في العمل أو في إنشاء المشاريع التجارية التي كان يطمح لتحقيقها، أو في خوض التجارب الاجتماعية التي لم تنجح كما كان يتوقع، يترسخ في ذهنه شعور بالخوف من تكرار هذه التجربة، وفي النتيجة يبدأ في الشك في قدراته على اتخاذ القرارات السليمة، مما قد يؤدي إلى حالة من التردد أو العزوف عن المحاولات الجديدة لتحقيق أهدافه.

3- تضخيم النتائج السلبية

ويقصد بذلك الميل إلى التركيز المفرط على الجوانب السلبية المحتملة لقرار ما أو موقف معين، وجعلها تبدو أكثر خطورة أو كارثية مما هي عليه في الواقع، فعلى سبيل المثال " شخص لديه فكرة مشروع ريادي يهدف إلى تقديم خدمة مبتكرة في مجاله، ويمتلك كل ما يلزم من مهارات كالخبرة ورأس المال والأدوات والمعدات لبدء المشروع ورغم ذلك يظل مترددا منذ فترة طويلة في اتخاذ أي خطوة فعلية.

4- ضعف القدرات التحليلية

ونقصد بهذا البند عدم القدرة على فهم المشكلات أو المواقف المعقدة بشكل صحيح وتفكيكها إلى أجزاء صغيرة وتحليل العلاقات بين هذه الأجزاء للوصول إلى حلول أو قرارات سليمة كشخص يبحث عن وظيفة جديدة بعد أن قرر ترك وظيفته الحالية بسبب عدم الرضا الوظيفي، وأثناء البحث حصل على عروض من ثلاث شركات لكنه يعجز عن اختيار الأنسب حتى تنتهي مهلة الرد على العروض ويفقد الفرص الثلاث، ويبقى عاطلا لفترة أطول بسبب عدم قدرته على التحليل واتخاذ القرار في الوقت المناسب.

5- الافتقار إلى الحافز الذاتي

وهو القوة الداخلية التي تدفع الفرد للعمل أو الدراسة أو لتبني مشروع معين دون الحاجة إلى تأثير خارجي مستمر مثل التشجيع أو الرقابة، ولكن عندما يفتقر الشخص إلى هذا الحافز فقد يصبح أقل قدرة على الإنجاز وأقل استعدادا لمواجهة التحديات أو تحقيق التقدم، وهذا يعني أن الشخص لا يشعر بأي رغبة في داخله للبدء بأي مشروع معين مثل شخص يعلم بأنه بحاجة للتمرين لتحسين صحته ولكنه يفتقر للدافع لبدء ممارسة الرياضة.

6- التأثير السلبي للأقران

وهو الضغط الذي يمارسه الأقران «الأصدقاء أو الزملاء في العمر أو البيئة الاجتماعية» على الفرد لدفعه إلى سلوكيات أو اتخاذ قرارات قد تكون ضارة أو غير أخلاقية أو تؤدي إلى نتائج سلبية على حياته الشخصية أو الاجتماعية مثل شاب يشعر بالضغط من أصدقائه للمشاركة في أفعال غير أخلاقية وغير قانونية مثل السرقة أو التخريب، وقد لا يكون مقتنعا بهذه الأفعال لكنه يستسلم لها خوفا من فقدان أصدقائه.

7- الخوف من المخاطرة

الخوف من المخاطرة غالبا ينبع من القلق حيال الفشل المحتمل أو الخسائر المادية أو الاجتماعية والضغط من المجتمع، وهو أيضا نتيجة تجارب سابقة مؤلمة أو بيئة عمل تركز على الأخطاء بدلا من الإشارة إليها والتعلم منها، مثل بعض الجامعات التقليدية رفضت اعتماد التعليم عن بعد بشكل كامل بعد الجائحة معتبرة أن هذا النموذج أقل فعالية بينما على الجانب الآخر جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية استثمرتا في تقنيات التعليم عن بعد ونجحتا في تقديم برامج مميزة مما عزز مكانتهما كجامعات رائدة.

الثالوث الشرس والعلاقات المتشابكة

إن التداخل الديناميكي بين العناصر الثلاثة «الشك، والتردد، والبطء في التنفيذ» يكمن في الترابط المستمر الذي يجعل كل عنصر يغذي الآخر بطريقة دائرية ومتصاعدة، فعلى سبيل المثال " إذا كان الشك ناتجا عن قلة المعلومات أو الخبرة فإنه يتسبب بشكل مباشر في التردد، وإذا ترك هذا التردد دون معالجة فإنه يؤدي إلى حالة من الجمود والبطء في الإنجاز، ولفك العلاقات بين هذه العناصر الثلاثة يجب إدراك أن هذه العناصر تعمل معا كدائرة مغلقة حيث يعزز كل عنصر الآخر بشكل متكرر بمعنى أن الشك يزيد من التردد، والتردد يؤدي إلى البطء، والبطء يعيد تغذية الشك مرة أخرى وهكذا، ولذلك ينبغي علينا التركيز على نقطة واحدة فقط لتعطيل التفاعل بين بقية العناصر، فإذا تم التعامل مع التردد باتخاذ قرار صغير وسريع فإن ذلك يقلل من البطء في التنفيذ ويمنح الفرد أو المؤسسة ثقة إضافية للتقليل من الشك، وبالمثل إذا تمت معالجة الشك من خلال جمع المعلومات الموثوقة أو بناء الثقة بالنفس فإن ذلك يقلل من التردد ويحفز التنفيذ بشكل أسرع.

وأخيرا فإن علاج هذا الثالوث الشرس المتمثل في الشك والتردد والبطء في التنفيذ ليس إلا سلسلة نفسية مترابطة لكنها ليست مستحيلة الكسر، ويكمن الحل في إدراك طبيعة التداخل والتشابك بين هذه العناصر، وفي فهم أن كل خطوة إيجابية نحو أحدهما تؤثر على البقية، والبدء ببناء الثقة كأولوية لتقليل الشك الذي ينتج عنه التردد في اتخاذ القرارات لتصبح النتيجة البطء في التنفيذ، وبهذه الطريقة يمكن أن تتحول الحلقة السلبية إلى سلسلة من النجاحات والإنجازات وتحقيق الأحلام.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو حيدر
[ القطيف ]: 24 / 1 / 2025م - 2:32 م
كلام جميل جدا ونقطة اساسية تهم جميع الأطباف ممن اصيبوا او للوقاية من مرض الشك والبطء الغير مبرر في الانجاز والعمل !
- في الحديث انه (ص) اوصى بعدم ترك الحوقلة ؛ (لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) ؛ خصوصا لكبار إلسن للوقاية من الخرف وكثرة النسيان ؛
- من جهة اخرى كثرة شرب الشاي بعد تناول أي وجبة مباشرة يمنع امتصاص الجسم للحديد ؛ حيث ان نقص الحديد يؤدي الى كثرة الحركة والتردد في القيام باي عمل ؛
وحتى يكون هذا السبب اكثر وضوحا نتمنى من أي مختص من الأطباء الشرح والتفصيل مع ذكر افضل وجبات غدائية فيها عنصر الحديد ؛ وهذه النقطة مهمة جدا لاهالي الأطفال المشاكسين اللي حركتهم وحوساتهم في أي شيء كثيرة ويحتاجون الى فهم هذه النقطة من الأطباء ؛ وهل نقصه (الحديد) لحد كبير يؤدي الى الجنون ؟؟
وهل تناول حبوب الحديد تكفي ؟ (الصيدلية)