آخر تحديث: 29 / 1 / 2025م - 10:51 م

ذهبُنا الأبيض

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الليثيوم سبعة أضعاف خلال الفترة 2022-2030، وسيؤدي هذا - بطبيعة الحال - إلى ارتفاعات متتالية في أسعاره، أما المصادر الرئيسة لتنامي الطلب فهي ثلاثة: السيارات الكهربائية: - المحرك الأساسي للطلب على الليثيوم، حيث من المتوقع أن تزداد مبيعات المركبات الكهربائية بشكل كبير. على سبيل المثال، تستهدف شركة“تسلا”رفع إنتاجها إلى 20 مليون سيارة كهربائية سنويا بحلول عام 2030، وفقاً لتصريحات إلون ماسك، من مستواه الحالي «1,77مليون سيارة». وتستهدف الشركات المصنعة الأخرى مثل جنرال موتورز ومرسيدس بنز زيادة إنتاجها من السيارات الكهربائية زيادة كبيرة، وبالتأكيد ستكون الصين المنتج الأكبر للسيارات الكهربائي، حيث بلغ إنتاج شركة BYD 1,76 مليون سيارة كهربائية في العام 2024، وتستهدف 10 مليوناً في العام 2030. والمصدر الثاني للطلب على الليثيوم أنظمة تخزين الطاقة حيث أن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتطلب حلول تخزين فعالة، فإن بطاريات الليثيوم أيون محورية في هذا القطاع، مما يزيد من الطلب على الليثيوم. والمصدر الثالث هو الإلكترونيات الاستهلاكية بما في ذلك الجوال، فالطلب المتصاعد على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والإلكترونيات الأخرى يعني طلباً متزايداً على الليثيوم. لكن تبقى حصة السيارات الكهربائية من الطلب على الليثيوم هي الأعلى «حوالي 80 بالمائة» و10 بالمائة لكلٍ من أنظمة تخزين الطاقة المستقلة والالكترونيات الاستهلاكية.

ماذا عن جانب العرض؟ يستخرج اللثيوم حالياً من عدد محدود من البلدان وهي أستراليا وتشيلي والصين والأرجنتين، ويعالج في مجموعة محدودة كذلك من البلدان هي الصين وتشيلي وبالإضافة إلى الأرجنتين التي دخلت مؤخراً نشاط معالجة مخزونها من الليثيوم. حالياً لا يوجد عجز في السوق العالمية لليثيوم لكن تزايد الطلب الأرجح أن يؤدي إلى فجوة خلال السنوات الخمس القادمة. وردم الفجوة يتطلب المزيد من المعروض لكن من بقع جغرافية جديدة، لتحييد المخاطر الجيوسياسية ولتعزيز جدوى الاستثمار في سلاسل الإمداد وتوسيع الانبعاثات ولتوسيع فرص استقطاب استثمارات جديدة، فالتركيز الجغرافي ينحصر حالياً في بقعة ضيقة هي أستراليا وأمريكا الجنوبية.

هل للسعودية علاقة بالليثيوم؟ بالتأكيد، فهي تسعى أن تكون محطاً لصناعة السيارات الكهربائية، بل فقط بتجميع المنتج النهائي بل بتوطين الصناعة، ولعل أهم جزء هي منظومة تخزين الطاقة «بطاريات الليثيوم» فضلاً عن توسع اهتمام السعودية بتعميق مزيج الطاقة ليشمل الطاقة المتجددة والتي تتطلب أنظمة لتخزين الطاقة وبالتالي فهي ستحتاج إلى الليثيوم. إذاً السعودية دولة مستهلكة، وأن الطلب على الليثيوم من المتوقع أن يتضاعف حتى العام 2030، كما بين سمو وزير الطاقة في كلمته أمام مؤتمر مستقبل التعدين الذي عقد في الرياض في الأسبوع الثاني من يناير 2025. وفي حين بين وزير الصناعة والثروة المعدنية حرص المملكة على توفير الاحتياج المحلي من الليثيوم إما محلياً من خلال استثمارات خارجية. والإستثمار الخارجي في المعادن النادرة، ومنها الليثيوم، هو المهمة الأساس لشركة“منارة”المملوكة من قبل صندوق الاستثمارات العامة وشركة معادن. أما التطور الملفت والذي يحمل في ثناياه فرصةً واعدة فهو اتفاق عقد قبل عامين بين جامعة“كاوست”وشركة معادن باستثمار 6 مليون دولار في شركة“ليهيتك”الناشئة في“كاوست”والمتخصصة في إنتاج بطاريات الليثيوم، إرتكازاً إلى أن الشركة قد حصلت على براءة اختراع استخلاص الليثيوم من مصادر غير تقليدية مثل مياه البحر. وقد انضمت شركة أرامكو مؤخراً «18 يناير 2025» لهذا الجهد من خلال الإعلان عن تعاون مع شركة“ليهيتك”لاستخلاص الليثيوم من المياه المستخرجة من حقول النفط. وعلى الرغم من أن تطوير التقنية تجارياً مازال قيد التجربة، إلا أن النجاح في تطويرها تجارياً سيعني انقلاباً في سوق الليثيوم عرضاً وطلباً، كا أنه يعني اختراقاً لصناعة ذات آفاق عالمية واعدة وهي حالياً محتكرة، وهي صناعة منظومات تخزين الطاقة، التي تقدر قيمتها بحوالي نصف ترليون دولار، وتتمتع بزخ نمو قوي تقدر بعض المصادر معدل نمو المركب بحوالي 15 بالمائة سنوياً حتى العام، والتي لا يمكن للمستهدفات العالمية من الطاقة ولا السيطرة على الانبعاثات الكربونية أن تتحقق دون تطوير منظومات تخزين الطاقة والاستثمار في زيادة سعتها وانتشارها في شتى بقاع الأرض. وتمتلك السعودية فرصة استراتيجية أن تكون واسطة العقد إذ تملك الممكنات والموارد كافة، ومع إثبات تقنية استخلاص الليثيوم نجاحها تجارياً تصبح المياه المستخرجة من حقول النفط ذهبنا الأبيض.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى