ما سبب الإحساس بتباطؤ الزمن في بعض الحالات؟
بقلم ستيف تايلور، أستاذ مشارك في علم النفس، جامعة ليدز بيكيت في المملكة المتحدة
Time expansion experiences: why time slows down in altered states of consciousness
Steve Taylor, Senior Lecturer in Psychology, Leeds Beckett University
December 31,2024
نعلم جميعًا أن الزمن يبدو وكأنه يمر بسرعات مختلفة في حالات مختلفة. على سبيل المثال، يبدو أنه يمر ببطء عندما نسافر إلى أماكن غير مألوفة، حيث قد يبدو أسبوعاً في بلد أجنبي أطول بكثير من أسبوع في البلد الأم.
يبدو أيضًا أن الزمن يمر ببطء عندما نشعر بالملل أو الألم. ويبدو أنه يتسارع عندما نكون في حالة استغراق (انغماس) [1] ، كما هو الحال عندما نعزف موسيقى، أو نلعب شطرنج أو نرسم. بشكل عام، يقول معظم الناس أن الزمن يبدو أنه يتسارع مع تقدمهم في السن.
بيد أن هذه الاختلافات في الإحساس بالزمن طفيفة جدًا. يمكن أن يتغير إحساسنا بالزمن بطريقة أكثر راديكالية. في كتابي الجديد [2] ، وصفت ما سميته بـ ”الإحساس بتمدد الزمن“ - حيث قد تمتد الثواني إلى دقائق. [تمدد الزمن = تباطؤ الزمن].
إن الأسباب التي تجعل الزمن يتسارع أو يتباطأ هي أسباب غامضة بعض الشيء. يعتقد البعض، وأنا من بينهم، أن الاختلافات الطفيفة في الإحساس (بالإدراك الحسي) بالزمن [3] مرتبطة بمعالجة المعلومات [والتي تنطوي على اكتساب المعلومات وترميزها وحفظها واسترجاعها أو تذكرها (4,5) ]. كقاعدة عامة، كلما زادت كمية المعلومات التي تعالجها أدمغتنا - مثل الإدراكات والأحاسيس والأفكار - يبدو أن الزمن يمر بشكل أبطأ. يمر الزمن ببطء على الأطفال؛ لأنهم يعيشون في عالم من الحداثة (العصرية).
البيئات (الأماكن) الجديدة تمدد (تبطئ) الزمن بسبب عدم الألفة بها. الاستغراق أو الانغماس في الشيء يقلص الزمن ولذا يمر بسرعة لأن انتباهنا أصبح مركزًا، وتهدأ أذهاننا، مع السماح بتمرير البسيط من الأفكار. في المقابل، يؤدي الملل إلى إطالة الزمن لأن أذهاننا غير المركزة مشغولة جدًا بحديث النفس.
قد يحدث الإحساس بتمدد الزمن في حالة الطوارئ، مثل التعرض لحادث مروري أو لسقوط أو لهجوم. في الإحساس بتمدد الزمن، يبدو أن الزمن يمتد بشكل أسِّي. في أبحاثي (الكلام للمؤلف)، وجدتُ أن حوالي 85% من الناس حدث لهم إحساس بتمدد الزمن مرة واحدة على الأقل.
ما يقرب من نصف تجارب الإحساس بتمدد الزمن تحدث في حالات الحوادث والطوارئ. في مثل هذه الحالات، غالبًا ما يتفاجأ الناس بمقدار الزمن المتاح لهم للتفكير والتصرف. والواقع أن الكثير من الناس مقتنعون بأن إحساسهم بتمدد الزمن قد أنقذهم من التعرض لإصابات خطيرة، أو حتى أنقذهم من موت محتم؛ لأنه سمح لهم باتخاذ إجراءات وقائية من شأنها أن تكون في العادة مستحيلة.
على سبيل المثال، أخبرتني امرأة [2] عن تجربة مرت عليها انطوت على إحساسها ببطء (تمدد) الزمن تجنبت فيه سقوط حاجز معدني على سيارتها. كيف سمح لها ”تباطؤ الزمن للحظة“ ”بأن تقرر كيف تتجنب سقوط الحاجز المعدني عليها“.
الإحساس بتباطؤ الزمن شائعة أيضًا في الألعاب الرياضية. على سبيل المثال، وصف أحد المشاركين نقطة الانطلاق التي حدثت أثناء لعب هوكي الجليد، عندما ”بدأت اللعبة التي بدا أنها قد استمرت مدة عشر دقائق تقريبًا بينما هي بالفعل كلها حدثت في ثمان ثوانٍ تقريبًا.“ الإحساس بتمدد الزمن يحدث أيضًا في لحظات السكون والحضور، أثناء رياضة التأمل أو في المناطق المحيطة الطبيعية.
لكن بعض أنواع تمدد الزمن القصوى لها علاقة بالمواد المهلوسة، مثل مادة إل سي دي LSD المهلوسة أو شراب آياهواسكا المهلوس. ذاكرتي عن أنواع تمدد الزمن، حوالي 10% منها لها علاقة بالمهلوسات. أخبرني رجل أنه أثناء تجربة تناوله مادة إل إس دي المهلوسة، نظر إلى الساعة التوقيتية stopwatch (التي تقيس مرور الزمن) على هاتفه الخلوي و”كأن حركة الأجزاء من المائة من الثانية ببطء حركة ثواني. وقال:“ لقد كان تمدد (تباطؤ) الزمن بالغًا بالفعل."
لكن ما السبب؟ إحدى النظريات [6] هي أن هذا الإحساس مرتبط بإفراز هرمون النورادرينالين (هرمون وناقل عصبي) في حالات الطوارئ، ويرتبط بآلية ”الكر أو الفر [7] “. لكن هذه النظرية لا تتناسب مع الهناء النفسي الهادئ التي يفيد بها بعض الناس عادةً في إحساسهم بتمدد الزمن.
بالرغم من أن حياتهم قد تكون معرضة للخطر، إلا أن الناس عادة ما يشعرون بالهدوء والاسترخاء بشكل غريب. على سبيل المثال، قالت لي امرأة أنها أحسن بتمدد الزمن عندما سقطت عن ظهر حصان: (يبدو أن التجربة برمتها استمرت لدقائق. كنت هادئة جدًا، وغير مهتمة بأن الحصان لم يستعيد توازنه بعد، ومن المحتمل جدًا أن يسقط عليها). كما أن نظرية هرمون النورادرينالين لا تتناسب مع حقيقة أن الكثير من أنواع تمدد الزمن تحدث في حالات هدوء البال، مثلًا في حالة التأمل العميق أو في حالة الانسجام مع الطبيعة.
النظرية الأخرى [2] التي فكرت فيها هي أن الإحساس بتمدد الزمن هو عبارة عن تكيف تطوري [8] . ربما طور أسلافنا القدرة على إبطاء الزمن في حالات الطوارئ - كموجهاتهم مع حيوانات برية مفترسة أو تعرضهم إلى كوارث طبيعية - لتحسين فرصهم للبقاء على قيد الحياة. بيد أن الحجة المذكورة أعلاه تنطبق هنا أيضًا: وهذا لا يتناسب مع الحالات غير الطارئة في حالة الإحساس بتمدد الزمن.
النظرية الثالثة [9] هي أن الإحساس بتمدد الزمن ليس إحساسًا حقيقيًا، بل هي أوهام الذاكرة. في حالات الطوارئ، كما تقول هذه النظرية، يصبح إدراكنا الحسي بالأشياء ثاقبًا وأقوى من المعتاد، ويصبح هذا الإدراك راسخًا في ذاكرتنا، بحيث عندما نتذكر الحالة الطارئة، فإن هذه الذكريات الأخرى تخلق انطباعًا بأن الزمن يمر ببطء.
ومع ذلك، في الكثير من أنواع الإحساس بتمدد الزمن، يكون الناس على يقين من أن لديهم وقتًا إضافيًا للتفكير والتصرف. سمح تمدد الزمن بسلسلة معقدة من الأفكار والأفعال التي كان من الممكن أن تكون مستحيلة لو كان الوقت يمر بسرعة عادية. وفي استبانة حديثة (لم تٌنشر بعد) لـ 280 حالة إحساس بتمدد الزمن، وجدت أن أقل من 3% من المشاركين يعتقدون أن التجربة كانت مجرد وهم. ويعتقد نحو 87% إنها تجربة حقيقية حدثت في الوقت الحاضر، فيما كان 10% كان محايدًًا.
من وجهة نظري، فإن مفتاح فهم تمدد الزمن يحيط بحالات الوعي المتغيرة. الصدمة المفاجئة لحادث قد تعطل عملياتنا النفسية الطبيعية، مما يسبب تحولًا مفاجئا في الوعي. في الرياضة، تحدث حالات شديدة التغير بسبب ما أسميه بـ ”الاستغراق أو الانغماس.“
يؤدي الاستغراق عادةً إلى الإحساس بأن الوقت يمر بشكل أسرع - كما هو الحال في التدفق (الانغماس أو حالة التركيز الفائق [10] ، عندما نكون منغمسين في م?همة ما. ولكن عندما يصبح الاستغراق شديدًا بشكل خاص، لفترة طويلة من التركيز المستمر، يحدث العكس، ويتباطأ الزمن بشكل راديكالي.
يمكن أن تؤثر حالات الوعي المتغيرة أيضًا على إحساسنا بالهوية، وشعورنا الطبيعي بالانفصال عن العالم (المحيط). وكما أشار عالم النفس مارك ويتمان Marc Wittmann, فإن إحساسنا بالزمن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإحساسنا بالذات.
عادة ما يكون لدينا شعور بالعيش داخل فضائنا (عالمنا) الذهني (11,12)، في وجود عالم خارجي ”هناك“ على الجانب الآخر. إحدى السمات الرئيسة للحالات المتغيرة الشديدة هي أن الشعور بالانفصال عن العالم الخارجي يتلاشى. ولم نعد نشعر بالانغلاق داخل أذهاننا، بل نشعر بالارتباط بمحيطنا.
وهذا يعني أن الحدود بيننا وبين العالم الخارجي تصبح سهلة يمكن اجتيازها. وفي هذه العملية، يتمدد إحساسنا بالزمن. نحن ننتقل خارج وعينا الطبيعي إلى عالم زمني مختلف.