المنتجع المريب
ترجلت نوال مع زوجها سعيد من عربتهما في منطقة معزولة بالخلاء لقضاء الحاجة والتريض قليلا بعد قيادة سيارته ما يربو على السبع ساعات سوف تليها خمس ساعات أخر حتى يصلان إلى وجهتهما.
كانت السماء غائمة بسحب بيضاء من غير سوء والطقس ربيعيا على نحو منعش، بعد تجول حول مجموعة من الصخور الضخمة الشاهقة وجدت جدارا من تلك الصخور له ألوان قوس قزح خلابة، تأملتها نوال بافتتان حين سمعت صوتا نسائيا من خلفها يحدثها بالإنجليزية: هل تستمتعون بيومكم في هذا المنتجع؟ أجفلت قليلا والتفتت لترى المرأة الشقراء تنظر إليها بشيء من الإعجاب وردت قائلة: لا، لا يوجد منتجعات هنا، نزلت وزوجي من السيارة للتريض قليلا في الخلاء، كانت المرأة تطل من سيارة دفع رباعي بدا لها لونها مبهرجا أكثر من اللازم، ودهشت لعدم سماعها صوت سيارات قادمة، شعرت بالقليل من الخوف والغرابة، إذا أن زوجها كذلك بدا وكأنه قد تبخر فجأة، بعد ذلك التفتت لتلاحظ مجموعة أشجار لم تكن قد لاحظت وجودها من قبل، الحق أنها تبدو أشجارا غريبة لا تكاد تمت بصلة لطبيعة المنطقة التي كانا مسافرين فيها، حيث إنه طريق صحراوي قاحل، ولا ترى حولك سوى الكثبان الرملية الحمراء الساحرة وبعض الجبال عديمة الأشجار، بدا وكأنها كلما توغلت في المشي كأنها تتجول في جزيرة بعيدة من التي تعمل فنادقها القليلة المتواضعة بالطاقة الشمسية وحيث ترى عددا من الحيوانات البرية أكثر من البشر، توقفت فجأة عند شرنقة عملاقة بحجم طفل في الرابعة، أو ربما في السادسة، متشبثة بجدار ملون آخر من ذلك الجبل هل تلك الصخور كبيرة بما يكفي لاعتبارها جبلا؟
التفتت تنادي زوجها: سعيد.. تعال لترى هذه الشرنقة!
شعرت بخوف مفاجئ من حجم تلك الشرنقة الكبير جدا، هل توجد فراشات يمكن أن تأكل البشر؟ بهذا الحجم يبدو ذلك أمرا واردا، نسيت خوفها العابر حين التفت إليها زوج من حيوانات اللاما ذات السنامين - هل هو اللاما؟ - بمرح كأنها فهمت عباراتها، وجريا باتجاه الشرنقة، نادت عليهما قائلة: أنا لا أقصد للأكل!
اللعنة على هذا المكان، فليأكلا تلك الشرنقة فأنا لا أشعر براحة تجاه أيا كان ما سيخرج منها، الحقيقة أن هذا المكان برمته يبدو أنه قد خرج فجأة من العدم كما أنها تلاحظ المزيد والمزيد من التفاصيل التي بدت كأنها لم تكن موجودة أصلا عند توقفهما، الآن هناك علامة وجود حمام للنساء فوق جدار صخري طبيعي.
دلفت وراءه برغبة لتفريغ مثانتها في مكان لائق.
والحق أن ما رأته كان أكثر من لائق، حيث الحمام يبدو كل شيء فيه عالي التقنية، ويعمل بالحساسات بدون لمس، كما لاحظت وجود مرش للاستحمام في حوض أرضي مفتوح كالذي يوضع بجانب المسابح، نظرت إليه بغيظ محدثة نفسها ما الذي كان يفكر فيه من صمم هذا المكان بحق الجحيم؟ بدت لها المرافق أكثر فخامة وتكلفا؛ مما تتطلبه استراحة على طريق سريع، ثم نهرت مجموعة من الصبية وجدتهم في المكان للشرح لهم أن هذا حمام خاص بالنساء، والذين نظروا لها بفضول وكأنهم ينظرون لتلك الشرنقة العملاقة الغريبة، لم يحدثها أحدهم، فشكت إن كانوا قد فهموا ما قالته، صبية شقر هم، ربما كانوا أولاد تلك المرأة الشقراء التي لم تعد موجودة، إذ يبدو وكأنه لا يرافقهم أي شخص بالغ، ”أقسم بأنهم كانوا ينظرون إلى جوالي بطريقة غريبة جدا، ينظرون للكاميرا تحديدا وكأنها عيون صديق قديم“ قالت لزوجها حين وجدته أخيرا ”هل تعتقدين أنه كان يفكر بسرقة الجوال؟“ قالها بشيء من الغضب، ”ليس هذا ما أتكلم عنه على الإطلاق، كان ينظر بألفة إلى هاتفي، وكأنه كائن حي يعرفه ويستطيع أن يخاطبه ويتواصل معه، بينما كان تواصلهم معي أنا غريبا حتى بفرض أنهم لا يفهمون لغتي، ينظرون إلي بفضول وكأنني حشرة غريبة تحتاج لدراسة“ ضحك سعيد بصوت عال قائلا، قلت لك أن لا تعيدي صبغ شعرك بهذا اللون، من يراك من بعيد يحسبك نوعا نادرا من الفراشات، حتى أنا احتاج لبرهة لتعرفك، بالمناسبة اتضح أن تلك المرافق التي وجدناها تعود لمنتجع قريب، ما رأيك بقضاء ليلة هناك؟ ما زال بالإجازة متسع ”، اتسعت عيناها قائلة له بأنه يستحيل وجود فنادق من أي نوع هنا، فضلا عن وجود منتجع فاخر، لقد درست خريطة المكان جيدا قبل السفر، وكانت تبحث بالتحديد عن وجود فنادق يمكن أن يرتاحا فيها أو يقضيا ليلة خلال السفر، هز كتفيه قائلا“ ربما كان فندقا جديدا لم يتم إدراجه بعد، المهم أننا وجدناه، ويمكن أن نرتجل ونغير خطتنا السياحية، ثم قرص خدها قائلا ”وأنت بالذات تحبين الخطط المرتجلة“، شعرت بمعدتها تنقلب وهي تجيبه ”أفضل مغادرة المكان بأسرع وقت، ثمة شيء مريب في هذا المكان، أشعر وكأن الأشياء والأشخاص تظهر وتختفي وكأنها خلقت للتو، وتلك المرأة الأجنبية التي تشرفت بالحديث معها مرة أخرى والتي لا تظهر أبدا مع أولادها في نفس الوقت، أقسم أن الكلام معها يشبه الكلام مع قوقل!“
”ههههههههه“ ضحك زوجها بصوت عال ”قليل من النوم وسوف يزول عنك جنون الارتياب هذا، دعيني احجز لنا غرفة“.
ثم سار أمامها في ممر حجري بدا وكأنه يعرفه حق المعرفة إلى بوابة مدخل فندق بدا متواريا وراء الجبل.
لحقت به وهي تشعر بنوع من ظاهرة الديجافو.
وكأنها عاشت هذا الموقف من قبل.
وكأن هذا الفندق بمجرد عبورهما البوابة سيتحول إلى طبق طائر لا يراه أحد لأن كل درجات ألوانه هي تحت حمراء، وسيطير بهما أو بالأحرى ينتقل بوسيلة لا تعلم ما هي إلى كوكب الزطاريخ.
تمت
”لو كنت رأيته من قبل كنت لأتذكر، يبدو لي وكأن معظم تفاصيل وأشخاص هذا المكان وكأنها خلقت للتو“.
نوال