التواصل مع الأحبة بعد الموت
كان أبي حفظه الله، يحمل في قلبه الكثير من الحب والوفاء لمن حوله. كلما مررنا بالقرب من المقبرة، كان يرفع يده بحركة مألوفة ويبدأ بقراءة سورة الفاتحة بصوت خافت، يهدي ثوابها لروح والدته وأرواح المؤمنين والمؤمنات. لم يكن يمل أبدًا، حتى لو مررنا بالمكان مرتين أو ثلاثًا في اليوم.
مرت السنوات، ولم يتغير شيء. كان والدي يلتزم بهذه العادة وكأنها عهد لا يمكنه أن ينكثه. ذات يوم، ونحن في طريقنا إلى المقبرة، سألته: ”أبي، لماذا تقرأ الفاتحة كل مرة؟“ ابتسم بحزن وقال: ”لأنها الطريقة الوحيدة التي أشعر بها أنني على صلة بأمي. الفراق صعب يا بني، لكن الدعاء يصل الأرواح ويهدئ القلوب.“
لم أفهم عمق كلماته إلا عندما حدث ما لم أتخيله يومًا.
فقدت والدتي بعد إجراء عملية جراحية خطفتها منا بصورة سريعة. شعرت وقتها بفراغ هائل، وكأن جزءًا من قلبي قد انطفأ. كنت أقف عند قبرها بعد الدفن، عاجزًا عن استيعاب هذا الألم. تذكرت والدي وعادته، وفهمت أخيرًا لماذا كان يفعل ما يفعل.
منذ ذلك اليوم، بدأت أقتدي به. بدأت أقرأ الفاتحة لروح أمي يوميًا، وأهديها ثواب ما أستطيع من القرآن. لن يكون هذا مجرد طقس ديني، بل سيكون طريقتي الخاصة للتواصل معها، لإخبارها أنني لم أنسَها، وأن حبها ما زال حيًا في قلبي.
الموت يأخذ منا الأحبة، لكنه لا يستطيع أن يقطع تلك الخيوط الخفية التي تربطنا بهم. بالدعاء والذكر، تستمر الأرواح في الحديث، وتتجاوز الحواجز التي يفرضها الفراق.
تذكروا أيها الأحبة أن الحب الحقيقي لا ينتهي، وأن الأرواح التي نحبها تستحق منا أن نبقى على صلة بها، مهما باعدت بيننا الأيام.
لا بد أن نذكر القراء الأعزاء بأهمية بر الوالدين بعد موتهما فهو من أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر أهل البيت عدة طرق للبر نذكر منها:
1. الدعاء والاستغفار لهما
عن الإمام الصادق : ”إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقاً، وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله باراً.“ [1]
2. قضاء ما فاتهما من عبادات أو ديون
إذا كان الوالدان قد تركا صلوات أو صياماً أو ديوناً، يُستحب للأبناء قضاؤها عنهما.
ورد عن الإمام الصادق : ”من صام عن ميت في ذمته صيام قضى عنه ذلك، ومن تصدق عن ميت حمل الله أجر ذلك إليه.“ [2]
3. الصدقة الجارية وإهداء الثواب
من أعظم الأعمال التي تنفع الوالدين بعد وفاتهما هو التصدق عنهما أو القيام بأعمال خيرية نيابة عنهما.
قال رسول الله ﷺ: ”إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.“ [3]
4. صلة أرحامهما وأصدقائهما
ورد عن الإمام الصادق : ”إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي، وإن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه.“ [4]
5. زيارة قبورهم والدعاء لهم
يُستحب زيارة قبور الوالدين والدعاء لهما.
قال الإمام الباقر : ”إن العبد المؤمن ليزور قبر أبيه وأمه أو قريب له فيدعو لهما، فيكتب الله له حجة وعمرة، ومبرورين، وإن كان قد أعطاه الله أجر ألف غاز وألف صائم وألف قائم.“ [5]
أفكار أخرى لبر الوالدين بعد وفاتهما:
1. التطوع بأسمائهم: شارك في الأنشطة الخيرية أو المجتمعية وأهدِ الأجر لروحهم.
2. كتابة مذكرات عنهم: كتابة قصص أو مواقف ملهمة عن حياتهم، ونشرها لتكون صدقة جارية تُحيي ذكراهم.
3. إحياء سنة أو عادة حسنة: إذا كان لديهم عادة حسنة أو عبادة معينة، استمر في العمل بها وأحيها بين الناس.
4. إقامة مشروع مستدام: مثل دعم مشاريع صغيرة تساعد الفقراء.