”مغناطيس“ المعادن النادرة
المعادن النادرة هي عبارة عن ”مغناطيس“ ضخم لاستقطاب المستثمرين؛ فعلى الرغم من أن أهمية التعدين تتزايد نتيجة لتنامي الطلب بطبيعته (organic growth)، إلا أن للمعادن النادرة قوة جذب أعلى بكثير، والسبب هو التوجه العالمي نحو المعادن النادرة لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة المستدامة والسيارات الكهربائية والتقنية الرقمية، ما أدى إلى زيادة الطلب على المعادن مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والنحاس بوتائر متصاعدة.
وتبعا لذلك فإن زخماً ملحوظاً من الاستثمارات تتدفق على أنشطة التعدين إجمالاً وتحديداً ذات الصلة بهذه المعادن، فطبقاً لتنبؤات وكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي فهناك حاجة إلى أكثر من 40 مليار دولار من الاستثمارات بحلول عام 2030 لتلبية الطلب، وبالنسبة للكوبلت فسيرتفع معدل تدفق الاستثمار الأجنبي بنحو 10 بالمائة سنوياً حتى العام 2030 تلبية للنمو في الطلب ولتغطية متطلبات الاستثمار في سلاسل الامداد، بالنسبة للنيكل فقد ينمو الاستثمار بمعدل قد يصل إلى 20 بالمائة يتركز في أندونيسيا. وأخيراً متوقع أن يشهد نشاط التعدين في النحاس اقبالاً من المستثمرين قد يصل معدل نموه إلى 15 بالمائة سنوياً، حيث لا يزال النحاس ضرورياً للكهرباء والطاقة المتجددة وتصنيع المركبات الكهربائية.
وعلى الرغم من أن مساهمة قطاع التعدين في اقتصادات الدول تبقى محدودة؛ ففي أستراليا التي تعتبر من الدول التي لقطاع التعدين مساهمة كبيرة في اقتصادها، تقدر مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 13 بالمائة، في كندا حوالي 4 بالمائة، وفي الولايات المتحدة الامريكية والهند أقل من 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. لكن ما يميز صناعة التعدين أن أثرها غير المباشر والمستحث ضخم بالفعل من حيث احتياجه إلى منتجات وخدمات لتشغيل سلاسل الامداد المعقدة والممتدة، وكذلك لاحتياجه العالي لليد العاملة وبالتالي لخلق وظائف في الاقتصاد..
وعلى الرغم من ذلك يواجه قطاع التعدين العالمي تحدي نتيجة لنهمهِ الهائل للاستثمار، فالقطاع بحاجة إلى استثمارات تقدر بحوالي 6 ترليون دولار على مدى العشر سنوات القادمة (حتى العام 2035)، وهو بذلك بحاجة إلى تحويل الفرص الواعدة إلى فرص تسترعي اهتمام يتجاوز شركات التعدين وصولاً إلى الصناديق السيادية والمتمولين العالمين وصناديق التحوط وصناديق تنمية البنى التحتية.
وتنبع تطلعات المملكة في قطاع التعدين وتتسق مع رؤية 2030، فوفقاً للتقديرات الرسمية تضاعفت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 64 مليار ريال في العام 2017 عند إطلاق الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية، إلى ما يزيد عن 120 مليار ريال في العام 2023، وفي الطريق لتحقيق مساهمة قدرها 240 مليار ريال في العام 2030. وما يبرر وضع مستهدفات طموحة مزايا تنافسية في مقدمتها احتضان تراب المملكة لثروة معدنية تقدر قيمتها بحوالي 2,5 ترليون دولار، وتشمل المعادن النادرة، فضلاً عن تطوير تقنية استخلاص الليثيوم من المياه الناتجة عن معالجة النفط والغاز وعن تحلية المياه، وهو مشروع مشترك بين جامعة ”كاوست“ وشركتي أرامكو ومعادن. وما سيعزز قدرة الاقتصاد السعودي استقطاب المستثمرين العالمين والمحليين لقطاع التعدين وجود ممكنات للتشجيع على الاستكشاف وقاعدة بيانات تعدينية وكذلك وجود شركات سعودية عالمية مثل أرامكو سابك ومعادن وكذلك استحداث ذراع استثماري هو شركة ”منارة المعادن“ التي تأسست في يناير 2023 والمملوكة لشركة معادن وصندوق الاستثمارات العامة للاستحواذ التعديني العالمي، ولعل أبرز أنشطتها الاستحواذ على 10 بالمائة من شركة ”فيل“ (Vale) البرازيلية. بعد كل هذه التطورات الجوهرية لعل ثمة حاجة لإعادة توجيه الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية لإعادة توجيهها لاستيعاب الفرص والممكنات التي استجدت خلال سبع سنوات منذ النطلاقها.