آخر تحديث: 10 / 1 / 2025م - 10:01 ص

دكاكين الطين مجالس مفتوحة زمان أول

عباس سالم

كان الناس في بلدتي ”جزيرة تاروت“ تجمعهم دكاكين الباعة والمقاهي الشعبية مكاناً للبوح وسرداً للسوالف والأخبار وتفقد أحوال بعضهم البعض، وهي متنفس للروح عند الكثير منهم قبل مجيء الكهرباء والتلفزيون والاتصالات وغيرها، لكن تلك الأماكن طواها الزمن وأصبحت ذكرى من ماضي الأيام الجميلة التي عاشها الناس بحلوها ومرها في تلك الحقبة الزمنية.

زمناً جميلاً مرَّ على البلاد لكنه كان قاسيًا على الناس، وكانت بلادنا عامرة بالخير والعطاء على يد أهلها الطيبين بالرغم من ضعف الحالة الاقتصادية للكثير منهم، فالكثير منهم كان من الفلاحين الذين يعملون في المزارع والبساتين التي تنتج المحاصيل كالتمور بأنواعه وبعض الفواكه والخضروات وغيرها، وكانت البلدة مكتفيةً ذاتيًا ويصدر إلى دول الجوار الفائض عن حاجتها.

كان زمنًا كان قاسيًا على الذين عانقوا الأمواج العاتية في البحار لتوفير ما يحتاجه الناس من مختلف أنواع الأسماك، الذي يُنقل إلى سوق السمك المركزي في القطيف عبر أسطول من القواري التي تجرها الحمير أعزكم الله، والبعض منهم من غاص في أعماق البحار في زمن الغوص بحثاً عن اللؤلؤ والمرجان.

ومنهم من مارس مهنة البناء والخبازة والحدادة والصفارة وغيرها، وآخرين عملوا في البلديات للمحافظة على نظافة البيئة من المخلفات، واليوم نتحسر على تلك الخبرات والخيرات التي كانت في بلدتنا بعدما انتهى زمناً عرفناه بزمن الطيبين الذين غادر الكثير من رجاله هذه الحياة دون رجعة يرحمهم الله.

الذكريات التي يحاول البعض أن ينساها أو يتهرب منها أو يقلل من شأنها هي أيام طفولتنا وبراءتنا، وهي نجم يتلألأ في السماء ويضيء لنا ما نكتبه عن تراث بلدتنا، وهي سفينة أحلام نركبها من موانئ جزيرة تاروت ونبحر بها عبر الأيام الحاضرة بأمل استعادتها لتنقلنا إلى موانئ أخرى، الذكريات تثير فينا الشجن، تثير فينا الحزن، وتعود بنا إلى الماضي الذي نرفض نسيانه، بل أنّها ما زالت باقية فينا ورجالها ما زالوا معنا في قلوبنا وأرواحنا وإن رحلوا عنا.

وفي الختام: زمن جميل مر على بلدتي «جزيرة تاروت» لكنه انتهى وراح وما ظنتي يعود، وما ظني تعود جلسات العصاري وتعود جلسات فردات التمر، وتعود بسطت الفلاح والخضار والسماچ في سوق تاروت أوقات العصر، وراحت جمعة أهلنا وسوالفهم داخل دكاكين الطين وأبوابها الملحة.

* القواري: جمع ”قاري“ وهي عبارة عن عربات تجرها الحمير في تلك الحقبة الزمنية.