آخر تحديث: 10 / 1 / 2025م - 10:01 ص

تحديق في الظلام

محمد العلي * مجلة اليمامة

في اليوم الأول من السنة الجديدة ماذا تقول لنفسك؟ هل تردّد ما قاله محمد العلي: «ما الذي سوف يأتي / وقد جف نهر الزمان / وغاضت من البحر زرقته / وتوارى الأمل خجلا من تسوّله المستحيل..» أم تتمثل بقول الشاعر أحمد الملا: «خطأ كوني / أن يمضي عام / ويعقبه ثان مباشرة / لابد من فسحة صغيرة بينهما / قطعة مظلمة / من الحياد الكلي / مثل نقطة الصفر / غرفة انتظار / لالتقاط الأنفاس / أو إجازة ضرورة / للهانغ أوفر»؟ أو تسرد ما ذكره الدكتور الفاضل حسن مدن في زاويته الموسوعية المترعة بكل جديد في جريدة الخليج، إذ روى عن الكاتب المصري شعبان يوسف قوله: «ممكن تسيبوني هنا لوحدي في سنة 2024 وتروحوا أنتم كلكم 2025 أنا مش مطمئن إليها أبدا».

الخوف من ولوج الزمن «المستقبل» عند شعبان يوسف، أو التحديق في الظلام، أو «دُوار النشوة» عند أحمد الملا أو ما قاله الثالث، ماذا نسميه؟ هل نسميه الخوف أو نسميه اليأس أو ما شئت من المفردات الدالة على شلل الإرادة، انطلاقا من حب الحياة؟ ولكن هناك من يفتح ذراعيه ترحيبا بالعام الجديد مهما انطوى عليه من ألغام، أليس هذا التباين محيّرا؟ بلى، ولكن المتنبي أزال هذه الحيرة حين قال:

«أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه
حريصا عليها مستهاما بها صبا

فحب الجبان النفس أورثه التقى
وحب الشجاع النفس أورده الحربا»

وقال بلمحة نفسية كاشفة:

«وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى
ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا»

وإذن الخوف من الزمن شيء وهمي، يسوّغ الهرب ويبرر استسلام الإرادة. أما الذين يتخذون من الزمن سلّما للصعود إلى الأعلى، رغم ما فيه من العوائق، فهم الذين يحدقون في ذواتهم لا في الزمن. وهذا ما حثنا عليه الفلاسفة بدءا من سقراط حتى الآن، ولكنه لم يجد غير آذان قد ألفت الصمم، ماعدا أفرادا أقامت في عيونهم شمس أخرى لا تغيب، وهم قلة في كل زمان ومكان.

أبو العلاء المعري اعتبر التفاؤل المحفز للإرادة، والتشاؤم المثبّط لها، أنه لا معنى لهما، وهذا ما أقره العلم؛ لأن أيا منهما لا يغير شيئا في الحياة، ولكن لا أظن أن هناك من لا تمر عليه سحابة من أحدهما على التعاقب في حالات مختلفة.

كاتب وأديب