الفردانية وسلطة المجتمع.. توازن بين الحرية والتقاليد
يوجد تباين ملحوظ بين من يؤمن بالفردانية ويرى الحرية جزءاً من حياته الشخصية، وبين المجتمع الذي يؤمن بعادات وتقاليد لا يمكن تجاوزها، بل يتسلط على الآراء الجديدة التي تخالفه. هنا تبدو المشكلة التي قد تسبب لبعض الأفراد الذين يؤمنون بالفردانية تحديات جدّية.
قبل الشروع في لُب المشكلة، لابد أن نتعرف على الفرق بين الفردانية وسلطة المجتمع؟ الفردانية هي مذهب أو مفهوم فكري يركز على أهمية الفرد وحقوقه وحريته واهتماماته، ويشجع على تحقيق الاستقلالية من قيود المجتمع. يرى الفردانيون أن الاستقلالية تساعد في الاعتماد على النفس وتنمية اهتمامات الفرد التي من خلالها يبدع ويبتكر ويطوّر شخصيته. على عكس من يتبع سلطة المجتمع، سيظل الفرد مقيداً بما يمليه المجتمع عليه، مما يجعله يكرر ما كان موجوداً في بيئته دون إبداع أو تجديد. يعتقد الفيلسوف فريدريك نيتشه أن الإنسان يمكنه تحقيق إمكانياته من خلال التحرر من قيود المجتمع والسعي إلى تحقيق ذاته الفردية.
أما سلطة المجتمع فهي مفهوم فلسفي يتناول تأثير المجتمع على الفرد وكيفية تشكيل أفكاره وسلوكياته وفقاً للأعراف والتقاليد السائدة. يرى دوركهايم أن سلطة المجتمع تتجلى من خلال الضمير الجمعي، وهو مجموعة من القيم والمعتقدات والمعايير التي يتبناها المجتمع بأسره. كما يرى أن السلطة المجتمعية تضمن التماسك بين الأفراد. لا شك أن الفردانية والمجتمع، لكل منهما ميزة خاصة. فالفردانية أسرع في التطوير الذاتي، وينعكس ذلك على المجتمع؛ إذ عندما يتطور أحد أفراد المجتمع فإنه يساهم في نموه وازدهاره. لكن هناك قواعد وأسس قد وضعتها السلطة المجتمعية، وهذه القواعد قد تصطدم مع الفرد الذي يريد حريته داخل مجتمعه، مما قد يؤدي إلى عزلة هذا الفرد عن محيطه.
ولكن، الأنسب في هذا السياق هو التوازن في طرح الآراء داخل المجتمع، من قبل الأفراد الذين يرون أن الحل يكمن في الفردانية والحرية. ليس من السهل على مجتمع قد اعتاد على حياة مجتمعية ذات قيم ومعايير أن يتخلى عنها ويتبنى الأفكار الجديدة.
ميزة المجتمع تكمن في قوته وتماسكه، حيث إن القوي منهم يساعد الضعيف، ويضمن الحفاظ على الهوية التي يعيشون وفقها. على النقيض، الفردانية تتيح طرح بعض الأفكار ذاتياً، مما قد يؤدي إلى تباين الآراء وتشتتها، وهذا قد يُضعف المجتمع إذا لم يكن هناك توافق. لكن الحلول موجودة؛ إذ يمكن للسلطة المجتمعية أن تتبنى بعض الأفكار وتدعم الأفراد في طرحها بأسلوب ملائم ومنسجم مع قيم المجتمع.
الخلاصة هي أن وجود أفراد متقدمين في أفكارهم ومبدعين داخل المجتمع أمر ضروري، وعلى المجتمع أن يتقبل تلك الأفكار ويراجعها ويحللها بعناية. إذا كانت هذه الأفكار صالحة، يمكن تبنيها، وإذا لم تكن مناسبة، يمكن تأجيلها لوقت لاحق. من خلال الحوار والكتابات المتزنة، يمكن للمجتمع وأفراده الوصول إلى حلول تنسجم مع الجميع وتحقق القبول المطلوب.