وأزهرَ الريحان من جديد لـ «سلمان العيد»
أجيئه يميناً.. فيأتيني يساراً
«لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءًا وأنت تجد لها في الخير محتملا.»
الإمام علي بن أبي طالب
في البداية أستميح القارئ الكريم العذر في أن أضع له انطباعاتي الأولية على اختيار الكاتب الروائي سلمان العيد عنوان روايته الأخيرة بعنوان «وأزهر الريحان من جديد» والذي يشم منه رائحة الريحان الطيبة، ثم إن كلمة أزهرَ بمعنى نمى واعشوشب وبدأت تكويناته الأولية بالزهر..
هذا يذكرني برواية تلقيتها هدية جميلة في دمشق من الكاتب الكبير فاضل السباعي، والتي أطلق عليها عنوان «ثم أزهر الحزن» وهل يزهر الحزن؟ والحقيقة أن كثيراً من الكتاب والكاتبات استخدمنّ فعل أزهرَ في عناوينهن مثل «وأزهر السوسن» لشذا نصار، «وأزهرت من جديد» لشيماء جاد، وكذلك «وأزهر بالقلب عشقاً».... وهكذا.
في الحقيقة أن الكاتب سلمان العيد طرح موضوعاً في غاية الأهمية من الناحية الاجتماعية.. وهو كثير التكرار بين الجماعات، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الفرية والبهتان، والاتهامات الباطلة بهدف إسقاط الخصم، خصوصا عندما يتحول الاختلاف إلى صراع.. ويحاول كل طرف القضاء على الطرف الآخر اجتماعياً.
هذا الموضوع الشائك يتحاشاه معظم الكتاب الروائيين لسبب وجيه ومعقول.. وهو أن هذا الموضوع وإن كان لطرحه مبررات كثيرة من الناحية الدينية والأخلاقية، إلا أنهم لا يجدون ذلك مستساغاً طرحه من الناحية الروائية، وعلى الرغم من وجوده كظاهرة اجتماعية، تكاد تشمل غالبية المجتمعات الفقيرة، والمتوسطة، إلا أن الكتاب الروائيين، قد يفتقدون الأسلوب المناسب لطرحها، وقد يواجه الكاتب المتجرأ على طرحها سيلا من الردود والانتقادات، تفقده الحماسة عن الكتابة فيها مرة أخرى.
ولأن الرواية تعبر عن الحياة الاجتماعية بجميع تفاصيلها، فكل شيء جائز طرحه في عالم الرواية، والفرق هو في التمايز في أساليب الطرح، والحبكة الروائية التي تصاحب أية رواية.
لا أحد يضع سقوفا على حرية الكاتب فيما يتناول، والقارئ يحكم على أسلوب والأدوات المستخدمة في هذا العمل.
تقع رواية «وأزهر الريحان من جديد» في عدد 212 صفحة وخمسة فصول من القطع الوسط 14/20 سم، صادرة في العام 1445 هج /2024 م الطبعة الأولى عن دار ريادة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية.
تحكي الرواية قصة «محمد وسعيد» صديقان عاشا منذ الطفولة مع بعض، في منطقة شرق العربية السعودية، في فترة الثمانينات، وتلقي الضوء على حياة الأسر وترابطهم في تلك المنطقة، ورعايتهم لأبنائهم وتشجيعهم لاستمرار الصداقات الأخوية البريئة بين أبنائهم، لم تكن الحياة قد أخذت زخرفها بعد، في ذلك الوقت.
كم من الخلافات التي نشبت بين الأصدقاء بدون أساس، وكم من الأصدقاء الذين تفرقوا بلا رجعة والسبب وشايات مغرضة.
المشكلة المؤدية في هذه الأحداث، عندما يلبس المغرض ثوب الصلاح، أو يحاربك شخص باسم الدين، أو يكون متدينا ويرمي الناس بالباطل، وإذا ما حدث هذا الأمر في سن الشباب والمراهقة، فإن الاستعجال هو سيد الموقف، والتعقل والمراجعة تكون من أبعد الأشياء، خصوصاً إذا ما خالط الأمر شيئاً من العنف، أو الحلول العنيفة. فما الذي حدث مع بطل هذه الرواية؟
فبعد أن سارت أمور الصديقين على ما يرام، وقطعا المرحلة الدراسية الابتدائية، والمرحلة المتوسطة بأمان وسلام، وكانا يدرسان في فصل واحد، ويذاكران العصر مع بعضهما، وكان كل منهما يشجع الآخر على الدراسة، إن محاولة أحد الأساتذة التفريق بين الصديقين كل في فصل مختلف عن الآخر لم تنجح، بل إنها باءت بالفشل، بسبب تدخل الأبوين عند إدارة المدرسة لإرجاعهم إلى فصل واحد. هذه الصداقة الجميلة كانت تعطر أيامهما، كما يعطر الريحان المشاتل.
لكن سرعان ما دخل الشيطان بينهما. اذعبئ أحد المغرضين سعيد ضد صديقه محمد، وأصبح يحمل فكرة سيئة عن صديقه، بأنه علماني، يبيح احتساء الخمر، واللواط، والاختلاط مع النساء، ويكره رجال الدين.. وأفكار جداً قدرة عن صديقه، إلى درجة أنه لا بد أن يتخذ موقفاً منه، ويبتعد عنه لينجو بدينه... ابتدأت القصة من: -
وعلى الرغم من أن الصديقين اختلفا في الاختيار بين من أخذ الاتجاه العلمي وبين من أخذ الاتجاه الأدبي، في المرحلة الثانوية، إلا أن الصديقين حافظا على صداقتهما، فهما يذاكران مع بعض في فترة ما بعد الغداء في كل يوم.
ثمة شيء طرأ على هذه الصداقة، ودعا أوراق الريحان إلى الذبول، فبعد عدة مبررات من سعيد لوضع مسافة بينه وبين صديقه محمد من التحجج بالتعب والإرهاق وكثرت مذاكرة الدروس، جاء اليوم الذي تواجه فيه الاثنان، فلقد قرر محمد زيارة بيت الصقر الصديق سعيد بدون سابق إنذار، فال بيوتات مفتوحة للجميع، ولا غرابة من زيارة محمد لبيت سعيد.
ففوجئ محمد من وجود سعيد فارغ اليدين، لا شغل له، يتسلى في مشاهدة التلفزيون، وسقطت حجج الواجبات وكثرة المذاكرة.
إلا أن المفاجأة الكبرى عندما جلسا مع بعض، وتصارحا عن سبب قطع العلاقة، فكان جواب سعيد الصاعق إلى محمد بأنهما لا يصلحان لبعض، فسعيد يرى أنه غير معجب بطريقة محمد في الحياة، ويريد من محمد أن ينساه بالكامل.. هكذا كانت اللغة حاسمة وجريئة.
حوارات ونقاشات واتهامات وتجريحات، بين صديقين الحوار يتبعه حوار آخر، والنقاش يتبعه نقاش آخر، دون اقتناع برؤية الطرف الآخر.
شخص يبتعد عن صديقه وعندما يسأله عن السبب يتهمه بالزندقة والفجور، وعصيان الرب والجلسات الماجنة، وتارة يسأله عن سبب القطيعة فيتهمه بالنفاق وانعدام الأخلاق.
مقتنع أن صديقه منحرف؛ ولذلك وجب عليه مقاطعته بالمرة والأسباب معروفة وهي ما يبثه المغرضون «عادة» من اتهام الناس بالباطل.
لكن محمد لم ييأس، ولم يستسلم هكذا بكل بساطة في هجران صديقة، وعليه سارت معظم حلقات هذه الرواية.
يقول محمد لصديقه سعيد «فأنا مع كل صراحتي وصلافتي وقلة أدبي أيضا لا أريد لهذه العلاقة أن تنتهي ولا يتوقف نموها؛ سعيت جهدي معك، وبذلت كل ما في وسعي من أجل إعادة العلاقة وتقويمها، ولم أجد وسيلة فضلى في هذا الجانب غير الحوار والمناقشة والجدال بالتي هي أحسن مع اعترافي الكامل والتام بأني جزء من المشكلة وأرغب في حلها».
وبذلت لهذا الغرض كل ما في وسعي، لكن لم أجد منك غير الصدود والغريب في هذا الأمر أنك تتكلم عن أن القيم التي تحملها هي التي دفعتك إلى اتخاذ هذه المواقف أي أن قطع العلاقة معي جاء بفعل التزامك بالقيم كما تقول، وأي قيم تلك التي تفرق بين الأحبة، وتحدث الفاصل بين الأصدقاء، وتقتل أهم قيمة بين البشر، وهي الحب إنها قيمك يا سعيد يمكن أن نطلق عليها القيم السعيدية ص «153 154» الرواية.
في نهاية الأمر يقرر الكاتب إنهاء القصة بعودة الصديق إلى صديقه، وقد أعاد النظر في تعامله، وعندما سأله محمد عن حقيقة ما جرى، حينها فقط كشف سعيد أنه تعرف على شخصية «سالم الأعمش» وبعد مرحلة ثانوية وسحره بكلامه وأسلوبه ويزعم أن في الأمر سحر أو حشيش، وضعف الطعام إلى درجة أن سعيد أصبح يتكلم كما يتكلم سالم الأعمش ويتحرك كما يتحرك سالم الأعمش، وينطق بأفكاره وهكذا تتكرر أحداث الحياة ببلاده في كل زمان ومكان.