كيف تبدأ مشروعك المنتظر؟
في أعماق كل إنسان يكمن حلم ينمو بصمت أو طموح خفي يتغلغل في أعماق الروح، أو شعور غامض يتردد صداه بين الأمل، ووشوشة الخوف، بين الرغبة في تحقيقه والخشية من الفشل حلم يشبه بذرة صغيرة تنتظر التربة المناسبة لتنمو وتكبر. أو قصة غير مكتملة تبحث عن قلم مبدع ليخط فصولها، ويمنحها الحياة والمعنى. أو فكرة نائمة في أعماق العقل تنتظر شرارة الإلهام لتنبض بالحياة وتغير العالم، هذه المسافة أو الفجوة تبدأ دائمًا بخطوة، لكنها ليست مجرد خطوة عابرة أو عادية أنها إعلان عن بداية عهد جديد أو وعد بتغيير يعيد صياغة الواقع، ويصنع المستقبل تبرمه مع نفسك، بأنك مستعد لتتجاوز شكوكك، ومخاوفك، وحتى واقعك الحالي، وأن تواجهه الحياة بثقة وإصرار، وكمثال على ذلك ”تخيل نفسك وأنت واقفًا على شاطئ بحر واسع والموجات تتلاطم أمامك حاملة معها أسرار العمق، وأحلام المدى البعيد، وقد يبدو البحر بلا نهاية، ورحلتك عبره مليئة بالغموض، ولكن كل هذا قد يتغير بلحظة وضع قدميك في الماء وكما جاء في كتاب مفاتيح نجاح رجل المشروعات الصغيرة“ هناك دائمًا نقطة بداية جديدة قد تكون بداية محدودة، ولكنها بداية على أية حال، ومن يستطيع أن يبدأ.. لا ينتهي ”أو كما قال بوب كونكلين Bob Conklin مؤلف ومتحدث تحفيزي اشتهر بأعماله في مجال تطوير الذات والتنمية الشخصية“ إذا بحث البشر في داخلهم عن الإمكانيات لا المعوقات، ونقاط القوة لا نقاط الضعف والمميزات لا المشكلات، فسيحققون نجاحًا منقطع النظير ”وفي هذا المقال أيها القارئ الفاضل لن نتحدث عن الخطوة الأولى كفكرة نظرية فقط، بل عن الخطوات التي تبدأ منك وتنمو بتفكيرك، وتصقل برؤيتك، ومن هنا سنأخذك بإذن الله تعالى في رحلة قصيرة لاستكشاف“ كيف يمكن أن تصنع بداية ناجحة لمشروعك المنتظر؟!
ليست فقط بداية ناجحة أو بداية مختلفة أو بداية تشبهك وتعبر عن رؤيتك فحسب، بل بداية تلهمك للاستمرار حتى تصل بمشروعك المنتظر إلى القمة التي تطمح إليها.؟!
وكما أن الخطوة الأولى لرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإنها أيضا تمثل النقطة التي يحدث فيها التغيير، وهنا علينا أن نتوقف للحظة، ونتساءل عن ما هو التغيير، ولماذا؟
التغيير: هناك تعريفات، ومفاهيم متعددة للتغيير نظرا لاختلاف التوجهات الفكرية والثقافية للباحثين، ولهذا سنقوم بتقديم البعض منها فيما يرتبط بالموضوع فقط لا غير.
التغيير مشتق من الفعل غير، وغيره: أي حوله وبدله، كأنه جعله غير ما كان عليه.
قال تعالى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: آية 53] صدق الله العلي العظيم.
أما التغيير في الاصطلاح فهو ”التحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة توازن مستهدفة ويعني ذلك من حالة إلى أخرى في المكان والزمان“.
والتغيير كحالة عامة فهو: أن يشعر الإنسان بأن واقعه سيئ، ولا بد من تغييره نحو الأحسن والأفضل، ولذلك ورد في النص الشرعي ”لا خير في العيش إلا لرجلين، رجل يزداد في كل يوم خيرا، ورجل يتدارك سيئته بالتوبة“ وورد أيضا في آخر النص عن أحد الأئمة ”أنه ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة“.
أما التغيير في منظمات الأعمال: فيقصد به التحول أو التنقل أو التعديل على مستوى الأهداف والهيكل التنظيمي، والوظائف، والعمليات، والإجراءات، والقواعد، و... للتفاعل الإيجابي مع البيئة، بهدف المحافظة على المركز التنافسي الحالي وتطويره.
لأنه: سنة كونية ملازمة للبشر، وقوام استمرار حياتهم، ونموهم، وسمة بارزة من سمات العصر الحاضر، بل وظاهرة متصلة بالحياة الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية ولأنه أيضا: من أكثر المفاهيم استخدامًا في علم الاجتماع، وعلم الاقتصاد والإدارة، بل وأصبح العلامة والميزة الفارقة لهذا العصر لما ترك من آثار كبيرة وعديدة في مجالات الحياة كالإدارة والصحة، والتربية، والنقل، والتكنولوجيا، والاتصالات، وحقوق الإنسان وغيرها، وبالعودة إلى السؤال الذي طرحناه في المقدمة "
كيف تصنع بداية ناجحة لمشروعك المنتظر؟! ”حيث إن أي بداية ناجحة لا تأتي إلا بعد أن تقرر أن تتغير، وأن تترك وراءك العادات القديمة، والخوف من المجهول، و… فيمكن أن نبدأ بالمقولة التي تقول“ البداية هي نصف النجاح " فالمشروع الذي طالما حلمت به، وتخيلت تفاصيله ورسمت معالمه في ذهنك، يستحق أن يبدأ على أسس متينة تهيئ له طريق النجاح، وتضمن انطلاقته بقوة وثبات، ولتحقيق هذا الطموح، أو الإجابة على السؤال المطروح، دعني أقدم لك بعض الخطوات العملية التي ستساعدك في تحويل فكرتك إلى مشروع ناجح يترك أثرا حقيقيًا في حياتك، وفي عالم الأعمال
أولا: ابحث عن مشكلة حقيقية تواجه الناس، واعمل على تقديم حلول لها.
كثيرًا ما يتردد أمامنا كلمة ”مشكلة“ فهل هي تعني وجود صعوبة ما؟ أو وجود نقص ما؟ أو خطأ ما؟، أننا عادة حينما نكون أمام موقف غامض أو معقد أو غير واضح فإننا نميل إلى اعتباره مشكلة، وحين نكون أمام سؤال صعب فإننا نواجه مشكلة، وحين نشك في حقيقة شيء، فإننا أمام مشكلة، وحين نحتاج إلى شيء ليس أمامنا فإننا في مشكلة.
المشكلة هي: حاجة لم تشبع أو وجود عقبة أمام إشباع حاجاتنا، وغالبا ما تنشأ هذه المشكلة من تفاعل الإنسان مع بيئته، ويتولد نتيجة هذا التفاعل عدد من الحاجات، ولذلك على الإنسان الناجح الذي يحلم ببداية ناجحة لمشروعه المنتظر أن يتعامل مع المشكلة كفرصة لخلق قيمة جديدة أو احتياجات غير ملباة، وتصميم حلول غير تقليدية، أو مألوفة، تحدث تغييرًا حقيقيًا يلامس الواقع ويصنع الفرق، فالمبدعون لا يرون في العقبات نهاية الطريق، بل يرونها بداية لقصص نجاح تلهم العالم وتغير حياة الناس.
ثانيًا: اعمل دراسة جدوى بسيطة أو مبدئية
والمقصود بدراسة الجدوى المبدئية أو البسيطة تحديد مدى صلاحية فكرة المشروع، وتقديم صورة عامة، وسريعة عن جدوى المشروع، ومدى إمكانية تحقيقه، وعلى سبيل المثال لو كنت تفكر في مشروع ”فتح مطعم جديد“، فإن دراسة الجدوى تشمل ”تحليل بسيط للموقع وعدد الزبائن المحتملين، ومعرفة تكاليف الإيجار والتجهيزات، وتقدير الأرباح من خلال مقارنة الأسعار مع تكلفة المكونات“ وأيضا من خلال طرح بعض الأسئلة التي تتعلق بالمشروع المزمع إقامته مثل " هل هناك حاجة للمشروع في الوقت الحالي، أو في المستقبل القريب، هل من الممكن تنفيذ المشروع من الناحية الفنية، هل تتوافر الموارد المالية اللازمة لتمويل المشروع في الأوقات المناسبة، هل المشروع مربح من وجهة النظر الخاصة، والاقتصادية والاجتماعية، إلى آخره.
ثالثًا: اعمل لك خطة عمل واضحة، وتعديلات مستمرة لتحسين الأداء
الحقيقة أن خطة العمل تشكل خارطة طريق، وترسم المسار الواضح نحو تحقيق الأهداف المرجوة، وليس مجرد وثيقة أو مجرد شكل، ولذلك لم يعد التركيز على أداء اللحظة الحالية كافيًا لتحقيق النجاح المستدام، بل بات من الضروري والمهم تبني رؤية استراتيجية شاملة تدمج بين التحسين المستمر للأداء الحالي والاستعداد لمتغيرات المستقبل، وبصفتي مهتما بالشأن الإداري أرى أنه لا بد من «تحديد المشكلة بوضوح، أولا: مثل أين نقف الآن؟ " وما الذي نحتاج إلى تحسينه، ثانيًا: التركيز على الأهداف القابلة للتنفيذ، وليس الأهداف الصعبة أو التي تحتاج إلى جهد كبير، ثالثًا: أن لا تبدأ بكل شيء مرة واحدة بل ركز على الأولويات الواضحة ثم انتقل إلى الخطوات التالية تدريجيًا، رابعا: إذا واجهتك تحديات جديدة قم بتعديل الخطوات دون التراجع عن الأهداف الكبرى، وخامسًا: أن تستمع باستمرار للملاحظات مع التعديل على المهام حسب الحاجة لتتناسب مع الواقع»، كما ينبغي عليك أن لا تعمل في مجال فيه منافسة حادة دون أن تمتلك ميزة تنافسية واضحة أو خطة محكمة تمكنك من التميز، وإذا كان هناك صعوبة شديدة في البداية، فتسلح دائمًا بالتعلم المستمر، والاستفادة من تجارب أعمال الآخرين.
وفي الختام: يمكن أن نقول إن رحلة الألف ميل ليست مجرد مسافة تقطع أو طريق نعبره، بل هي ملحمة إنسانية تصقل أرواحنا، وتشحذ عقولنا، وتعيد تشكيل ذواتنا، أنها درس عميق يعلمنا أن النجاح ليس قفزة عشوائية، بل بناء متين ترسى قواعده بخطوات صغيرة، ومدروسة ترافقها عزيمة لا تلين، وأمل لا ينطفئ، وقلب يؤمن أن المستحيل مجرد كلمة، وأن الأحلام والمشاريع العظيمة تخلق بالعمل والإصرار، وأن كل نجاح كبير بدأ بخطوة جريئة، وإرادة لا تهزم.