ثنائيات إخوانية هادفة
قراءة انطباعية في ديوان «وردة من حديقة القلب»، للشاعر عقيل المسكين
من جملة أفكاره النَّيِّرة، طرح أخي العزيز الأستاذ ”علي بن أحمد المشامع“ - الناشط الاجتماعي المتميز على الشاعر النحرير - الأديب الأريب ”عقيل بن ناجي المسكين“، فكرةَ إصدار ديوانٍ أدبيٍّ يتضمّنْ شعرًا إخوانيًا يعكس ما يُكنّهُ الشاعر من المحبّة والمودّة اتجاه إخوانه أعضاء ”نادي نجوم ديرتي“ وكذلك أعضاء ”نادي عرش البيان الأدبي“ لهواية الأدب.
وبعونٍ من الله وتوفيقه، تم إصدار هذا الديوان الصغير في حجمه والقيّم في مكنونه، حيث خصّص الشاعر ”عقيل المسك“ ثنائية شعرية لكلِّ شخصٍ من أعضاءِ الناديَين الآنِفَي الذكر، حسب سمات ومميزات كلّ شخص؛ هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، وضع الشاعر نصب عينيه تجسيد الأهداف من هذا الشعر الإخواني والتي من جملتها: بثّ روح الحماسة؛ ونشر ثقافة التواصل المجتمعي والفكري والأدبي؛ وإبراز قيم التعاون للانخراط في الأنشطة الفاعلة لخدمة المجتمع بصورة عامة في جميع المجالات الإنسانية.
حسبُ تعريفٍ ذُكِرَ في ”صحيفة اليوم الإلكترونية“ أنَّ شعر الإخوانيات فنٌّ أدبي خاص، وهو عبارة عن رسائل يتبادلها الأدباء فيما بينهم وتمتاز بكثرة المحسنات البديعية، وهو نوع من اللغة الانفعالية التي تبعث على الأُنس والارتياح سواءً كانت شعراً أو نثراً وقد تطوّر هذا الفن مع تطور فنون الشعر، وفي تعريف آخر للشاعر المتميز ناجي حرابه: ”إن شعر الإخوانيات فن من فنون الأدب القديم ظلَّ يتطور حتى عصرنا الحاضر، وهو فرصة أو نزهة يتخفّف عبرها الشاعر من الحمولة اللغوية والفنية الزائدة لينفتح على المواضيع الإنسانية الخاصة بين فكاهةٍ وذكرىً وعتابٍ وهجاءٍ وتهنئةٍ وغيرها“.
إبراز العلاقات الإنسانية في أبهى صورها، حيث يستخدم الشاعر فيها أسلوب السهل الممتنع في إطار من البساطة وعدم التصنّع، حيث تتباهى الألفاظ وتزهو جواهر المعاني، وأشهر إخوانيات النثر هو ما تم بين ”مي زيادة وجبران خليل جبران“ حيث كانت قمّة في البوح والتجلّي؛ وكانت مفعمة بالرومانسية؛ وهما لم يَرَيَا بعضهما البعض. ويتميز شعر الإخوانيات بسماتٍ من أبرزها، التأدّب في الخطاب واللياقة في الحديث، وإطراء نعوت مميزة وألفاظٍ فخمة خالية من التكلّف وبدون فيض عاطفي.
بدأ الشاعر المسك تطوافه في استعراضِ ورودِ حديقتهِ الإخوانية الساحرة، بنظم أبيات عميقة المشاعر والأحاسيس في وصف أبيه؛ في أبياتٍ جسّدت أعلى مراتب البِّر بوالده وإقراره بالفضل له؛ حيث تضمّنت الإشادة بحكمته وصوابيه توجيهاته وسداد نصائحه، التي تحولت إلى نبراسٍ وهاجٍ وحافزٍ مؤثرٍ، وقد أخذت هذه التوجيهات والنصائح بيد الشاعر المسك إلى المكانة الأدبية اللائقة التي يتمتع بها بين أوساط الأدباء. حيث تغنى الشاعر قائلاً:
وأبِي الذي صَنَعَ الثقافةَ جَذوةً...
مِنْ حِكمةِ الأيّامِ نُصْحَاً يكبُرُ
لازلتُ أقبسُهَا بِكلّ رحابَةٍ...
فالخَيرُ مِنْ نُصْحِ الأُبُوّةِ يُثمِرُ
ثم وقف شاعرنا المسك متأملاً وطاف بخياله الواسع في رسم ورودهِ في غاية مُثلى من الجمال والروعة، وقد وصف من خلالها - عندما يتناول شخصاً ما من الممدوحين في هذه الإخوانيات - نفس الشخص الذي يتحلى بِخَلتِي المروءة والشهامة بأنها تَتسَنّم ذُرى العلياء لحصافةِ عقله ونُبلِ ضميره وفيض عطائه. حيث قال:
أأبا عليّ والعَلاءُ مروءة.ٌ..
مُزِجَتْ بِشَخصِكَ ياسَنا الأحبابِ
ما زِلتَ فَذّاً بالشهامةِ رائدًا...
إذْ أنتَ فِينا دُرّةُ الألبابِ
أما الأثر العميق الناتج عن صِفَتِي الوصال والتعارف فعكست براعة الأديب الشاعر حينما عبّر عن معنى تلك الصفتين في إحدى وروده، حيث اتّسم التصوير الشعري بشدّة سطوع شعاع النجمة التي يهتدي بها الناس في الليل الأليل، وهذا لعمري فيه تشبيه ضمني غامض أظهر مكانة المشهد الجمالي في أبهى صُوَرِه. وهنا أردف الشاعر قائلا:
ل ”أبي أمِينٍ“ في المَجالسِ جولةٌ...
كَبُرَتْ تنمّ عنِ الوِصالِ الأجمَلِ
هو للمعارفِ نجمةٌ وضّاءةٌ...
عنْ دربنا بشعاعهِ لمْ يرحَلِ
أما الوردة التي عبّرت عن طِيبِ المَحتِد والأصالة العريقة وعنوان المجد الخالد فقد خصَّصَها الشاعر لأولئك الذين ينتمون إلى الدوحة الهاشمية المحمدية، وعنفوان جمال الصورة فيها أنها تمنح جميع من يتمتع بالنظر إليها ألوان المحبة ونيل أصناف الجود والعطاء المتدفق وقيَّم المكارم والفضائل الأخلاقية السامية، إضافة إلى الصور البيانية البديعة التي تدهش المتلقي. حيث تغنى ”عقيل المسك“ قائلا:
عدنانُ يا ابنَ الهاشِميينَ الأُلَى...
ملأوا الحياةَ مكارِماً وفضائلا
ما زلت فينا بالأصالةِ ماجداً...
تهبُ الجَميعَ محبّةً ونَوائلا
ثم أطلق الشاعر العَنانَ لمخَيَّلتِه في وصف وردته التي جمعت ”المودة والثغر الباسم“، حيث تألق صدق المودة زاهياً مُشرقاً في حين منَحَت بسماتُ ثغر الممدوح زهرات تفوح أريجاً يشُمُّه أنفاس كل المتواجدين في المكان. حيث نظم الشاعر الأبيات التالية:
”أبو حَسَنٍ“.. تلألأ بالمَودّةْ...
وبسْمَةُ ثغرهِ لِلكلّ وردَةْ
يمازحُنا بلُطفٍ واعتِدالٍ...
ولِلتمثيلِ حِسٌ قدْ أعدّهْ
ثم حطَّ الشاعر رحاله بجوار وردة سحرت الألباب لأنها حملت مشاعر السعادة الغامرة والسرور فأثمرت ”الفرح والزهو“، الذي حقق الاستجابة البصرية والوجدانية أمام ناظِرِي القارئ، حيث زها السراج في المكان وعمّ الفرح والتفاؤل عند بلوغ النشاط ذروته. وهنا أبدع الشاعر قائلا:
”بُو فَيصَلٍ“ فَرَحُ المَكَان وزهوُهُ...
أنَّى وُجِدْتَ فكُلُّ خَطْوٍ يزهُرُ
إنّي أرَى الحُبَّ الجَميلَ كرَوضةٍ...
وقِطافُها بَينَ الأحبّةِ يُنثَرُ
وبينَا هو يتنقّل بين جنبات حديقته الغنَّاء، وقعت عيناه على الوردة التي حضنت بين بتلاتها ”الوداعة والبِشر“، وهنا نرى صورة دلاليَّة عكست عمق التعبير الجمالي لدى الشاعر الذي أوضح للمُتَلقِي أن السّرَ الكامل في الوداعة هو الأُلفة، كما أن التواصلَ المستدامُ أحَدُ نِتاجَاتِهِ البِشر.
واختتم الشاعر الفذ ”عقيل المسك“ قائلا:
لِ ”محمودِ بنِ شاخُورٍ“ براعةْ...
ويُعرفُ بالتَّآلفِ والوداعةْ
عَرفنا فيهِ وَصْلاً لا يُجارَى...
ونُورُ البِشْرِ يُوصفُ بالنَّصاعةْ
طوبى لقلب عقيل المسك الذي حوت حديقته اثنتان وخمسون ثنائية شعرية ساحرة تضمنت: مهارة الترتيل، وعمق الهدى الحسيني، وسمو التفكر، وسبر أغوار البعد الثقافي، وقيم مكارم الأخلاق، وطيب السمعة، وإنكار الذّات، وعمل الخيرات، ومردود الكرم والسخاء، وأثر الرفق والعطف، وعذوبة الأسلوب والأريحية، وجمال الفصاحة، وسعة الخيال، ورحابة الصدر، وتقبل الآراء، وحس الفكاهة، ونقاء القلب.
ختامًا، أعتقد أن هذه القراءة الانطباعية المتواضعة لهذا الديوان النفيس لم توفّهِ حقّه. عسى الله أن يقيض باحثًا آخر يقدم لهذا السفر الأدبي الإنساني بـ ”رؤية نقدية/جمالية“ جديدة أخرى.