آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 7:42 م

السايكوباتية والنرجسية

سلمان العنكي

تعريف:

«أ» السايكوباتية: يُعَدّ الاعتلال النفسي، الذي يُعتبر أحيانًا مرادفًا للاعتلال الاجتماعي، اضطرابًا في الشخصية يتسم بالاستمرار في السلوك المعادي للمجتمع، وضعف التعاطف والندم، والسمات الجريئة وغير المقيدة، والأنانية. [1] 

«ب» النرجسية: تعني حب النفس أو الأنانية، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والتكبر، والشعور بالأهمية، ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين. [2] 

التعريفان السابقان اشتركا في صفات ذميمة يتوشّح بها الحمقى المصابون بأمراض نفسية مصطنعة، يتعالون بشخصيات وهمية مُزجت بِغرور وكبرياء.

تميّز الواحد منهم عدة خصائص أبرزها ثلاث:

الأولى: الديانة:

متغيّر العقيدة، غير ملتزم بقانون، لا يُعرف موحّدًا هو أو ملحدًا. في المسجد يطيل السجود متعبّدًا، في الكنيسة يقيم قداسًا بالصليب متقلّدًا، وإذا ما جنّ ليلٌ في معبد بوذا بشعائره وإنجيله منشغلًا. ”حسب حاجته وما يهدف إليه“ يُحرّم يُحلّل استخفافًا، ضاربًا بالتشريع عرضًا. هويته الإسلام ولكن:

1 - لا يتقيّد بحدود صوم، بداية الإمساك لا تعنيه، موعد الإفطار لا يُلزمه، الصائمون في بيوتهم على موائدهم ما لذّ وطاب، وعائلته في الشارع طريدة لسوء معاملته، دموعها سحاب جارية، تتسوّل من يقدم لها شربة ماء وقد حان المغيب.

2 - لا يرتدي ثوبي الإحرام عند دخوله مكة المكرمة، وإن أحرم لا تهمه واجبات فُرضت للإحلال منه، يُبرّر بأقوال وأحاديث ينسبها لمصادر شرعية زورًا وبهتانًا.

3 - يتكسّب بالنصب والاحتيال، يُسقطك ضحية على حين غفلة ليفعل بك ما يشاء ﴿يقدم لك بدءًا سمكة شهية المأكل لتثق به، وتعود بعدها إليه فيسلبك ما تملك بخبرته الواسعة بما فيها بيت سكنك . لا يُعلّمك أو يُمكّنك من آلة صيد لتعتمد على نفسك وتستغني عنه، ينقل عن «...» قال: ”اطلبوا أرزاقكم وضعوها حيث شئتم“. يتعاطى الممنوعات، لا يتحاشى مقاربة المحارم بزعمه لا دليل على حرمتها.. إنها السايكوباتية المقيتة التي يعتنقها.

الثانية: الرأي:

مخادع للعقول، مخالف للمألوف، منافٍ للمبادئ، يفرض رأيه قهرًا، يُعاقب بحرمان حقوق مَن هم تحت إمرته. الزوجة عنده عاصية وهي خادمة مستعبدة مطيعة، الأولاد عاقّون وإن نفّذوا مطالبه، يبصق في وجوههم، ينثر ما طُبخ للأكل على الأرض جزاءً لموقفهم مِن أفكاره العشوائية الهدّامة، يحبسهم في غرفة أو دورة مياه بيده السكين داخلاً الرعب في قلوبهم، يرون الموت عين اليقين ولا مغيث. والإساءة المطلقة للمعترضين، يتتبع أخبارهم، يُحرّض، ينسب لهم ويقول ما ليس فيهم بغضًا وحقدًا وحنقًا. إنه النرجسيّ الأحمق.

الثالثة: الأنانية:

كلّنا يُحبّ ذاته لا عاب، ولنا الفخر بذلك ما لم يكن على حساب الآخرين أو مزايدات تنال الغير. أمّا هو فبالتقليل والتنقيص والتحقير مِن الخيرين الطيبين المسالمين، يراهم دونه، لا قيمة لهم قباله، والحقيقة الصادقة ”للحبّ آثاره الإيجابية الظاهرة تنعكس على الشخص وأسرته وأصدقائه ومَن حوله“. تُعجبك بلاغة بيانه، تحسبه ثُنيت له الوسادة إمامًا، يُفتي لأهل التوراة والزبور والإنجيل، وإن تعرّض للقرآن تخاله المخاطب به، العالم بتفسيره وتأويله، ناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، ظاهره وباطنه، يتصدّر المجلس وعلى الحضور الإصغاء، لا مقاطعة لا نقاش. لا يملك ملاليم ويدّعي حساباته البنكية ملايين. تغبط عارفيه، تتمنّى صداقته ومكانة عنده وقربًا منه، ولو تتبّعته وسألت ما سمعت إلّا أكاذيب تسويقية اختلقها. تظنّه وحيد زمانه وأعجوبة دهره، صاحب نجاحات متتالية مبهرة، مَن تبعه نجا ومَن تخلّف عنه هلك، والصحيح ”متابعه هالك ومخالفه ناج“. أقواله وأفعاله صواب عنده وما دونها خطأ، لو اطّلعت وليتَ منه هاربا لأنها لا تلامس الحقيقة بشيء، متقلّب كلّ ساعة له وجهة متغيّرة. يُرشد للأخلاق ومنها خلا، يعيب الكذّابين وما سواه علّمهم، فاشل في التربية. أولاده مشرّدون، لا شهادات لا عمل، حتى أدمنوا الرذائل، يدّعي زعامة قومه وهو لا يعرف أحفاده ولا يعرفونه، ولا بعضهم يعرف بعضًا، مالت بهم الأهواء آحادًا في أودية سحيقة متباعدة. حوى ما تفرّق من مفاسد في غيره وزادها مثالب..

مثل هذا تزاوجت فيه النرجسية والسايكوباتية حتى استنسخته في بعض عقبه... لذلك يجب أن نحذر هؤلاء ”أصحاب الأساليب الملوّنة الملتوية البراقة، والأنفس الشريرة المضطربة“، لا نتعامل معهم، نُهمّش أدوارهم، نفضحهم، نكشف المغطّى تحت ثيابهم، حتى لا يقع البسطاء والعامة في شباكهم المفخّخة وحبالهم الممدودة من حيث منحهم الثقة العمياء، إنهم شياطين الإنس احترفوا وأتقنوا صناعة الفتك والإجرام.