تكتمل برضاك عنها...!
حياتك ناقصة دائما، ولكنها تكتمل برضاك عنها، والقناعة بها، الكمال في الناقص ممتنع، وإننا نحمل ما يذكرنا بعجزنا، وضعفنا الذي خلقنا منه «الذي خلقكم من ضعف» نعيش فيه، ونموت عليه!
هناك دائما من هو أفضل منك فيما أنت متميز فيه، وهناك دائما من يتمنى بلهفة حارقة بعض ما أنت فيه، وبعض ما أنت عليه!
النفس الجائعة دائما تصاب بالعمى حين تنظر إلى نعم الله عليها، وطمعها الشرس يفقدها رشدها وبصيرتها!
فلا تلازم بين الملك والقدرة، يحضر الملك والعجز في مرات كثيرة، القدرة على امتلاك الطعام لا يعني القدرة على أكله، والوصول للنساء لا يعني السلامة من العجز، أو غلبة الضعف والمرض.
الرزق والعطايا تتعدد وتختلف، ويتاقسمها الناس على اختلاف طبقاتهم، وجبلت النفس على النظر إلى ما هي بحاجة إليه ومحرومة منه أكثر مما هي فيه من نعم مترفة!
الثري المترف يزدري ثروته مقابل الصحة! ويسعى لمقايضتها بها إن أتيحت له، ولكن الصحيح المعافى لا يراها جديرة بالحمد المستدام! ويرى حرمانه من المال هو الذل الحاضر! الأعمى وحده القادر على تعظيم نعمة أن ترى وجه من تحب! ويدرك بيقين نعمة أن يكون له نصيب من كل جمال يبصره!
مكتوب على صخرة فوق قبر في الصين «لقد رزقني الله ملك الصين العظيمة وشعبها العظيم وعشت. ملكا خمسين سنة أملك كل شيء ولكني عاجز من أن أنال امرأة واحدة من مملكتي حتى انتهى عمري،». لقد حصر الملك، ولم يغب العجز، تحضر الثروة وتغيب الصحة، وأعظم صور العجز في ابن آدم أن نوال كل نعمة يتحقق بسلب أخرى، فحتى ينال نعمة الغنى ينهدم العمر، أو تتداعى الصحة، أو يغلب عل القلب الشتات والتعب، وربما غلب عليك الفقر، ولكن لا تحرم طمأنينة القلب، أو الرضا في النفس، أو صلاح ذريتك، وصلاح قلبك ومحبة الناس لك!
سيأتيك الله حياة غير كاملة، ستكتمل في قلبك، برضاك عنها، وبرضاك بمحبة ما اختاره الله لك، ورضي أن يكون لك أنت وحدك، ستجد من هم أفضل دائما، وستجد من هم أكبر باستمرار، وستجد نفسك لا تسبقهم ولا ترتفع إليهم، وإن سعيت سعيك كله. وأفرغت جهدك بتمامه!
ستجد حياتك كاملة في غير نقص، حين يتيقن قلبك أن المعطي كريم لا حد ينتهي عنده كرمه، وإن تقديره محبة خالصة لك، يقدرها بحكمته وسابق علمه بك.
إنه أعطاك حياة كاملة في غير نقص، إن استدارت عيناك للنظر في نعمه الكثيرة عليك وعطاياه لك! إنها كاملة لأنها عطية الله الكامل لك، والكمال المطلق لا يصدر منه نقص!
حياتك تكتمل برضاك عنها.! فمن رضي بما قسم الله له، استراح قلبه، وبدنه.
ولكن قليل من يرضى، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبإ: آية 13].